بقلم رئيس التحرير: أ/ عمر الشلح
تمر علينا الذكرى السادسة لانتفاضة الثاني من ديسمبر ضد الكهنوت والرجعية والظلم والاستبداد والعنصرية والدمار والتشظي والتخريب؛ فالزعيم الشهيد/ علي عبدالله صالح كان يدرك المرامي الخارجية وأهداف أدواتها في الداخل، وكان يجيد خلق التوازن، وامتصاص الصدمات، وتفادي الوقوع في شباك ومصايد المتآمرين على الوطن.
إصراره الدائم على صون الدم اليمني، والحفاظ على المنجزات، ودعواته المستمرة للحوار والتفاهم بدلا عن العنف والاحتراب؛ وعفوه وتسامحه ولينه مع الشخصيات التي ارتكبت جرائم سياسية وأعلنت التوبة وتعهدت بالالتزام بالقانون؛ جعل القوى الرجعية ومن يقف خلفها يستغلون هذه القيم الوطنية والأخلاقية والمساحة الديمقراطية، ويستمرون في حبك الدسائس والمؤامرات، مستهدفين للشعب والوطن في كل مجالات الحياة، بداية بالتعليم وهو أهم ركيزة للبناء والتنمية، ثم الخدمات العامة كالكهرباء والمياه والصحة، مرورًا باستهداف المنشآت الحكومية ومراكز الشرطة ونقاط التفتيش والنيابة العامة ومستشفى العرضي ووصولا لحادث جامع دار الرئاسة الإرهابي.
الأحداث على الساحة اليمنية والقلاقل والاضطرابات منذ “تأسيس الجمهورية وبناء الدولة وتحقيق الوحدة” كلها كانت تحمل بصمات دعم وتمويل خارجي من قوى موغورة الصدر وحاقدة على النظام الجمهوري كنظام سياسي لدولة عريقة وحضارية كاليمن، وجن جنون القوى الرجعية عندما نجحت الأعراس الديمقراطية وصار الشعب ينتقي ممثليه في السلطات التشريعية والمحلية عبر صناديق الاقتراع بمحض إرادته وقناعاته، ونظرًا للموقع الاستراتيجي شديد الأهمية والخطورة يسيل لعاب القوى الاستعمارية ووكلائها وحلفائها في المنطقة، وبدورها تحرك أصابعها للعبث وتشتري ولاءات ضعاف النفوس وتثير الإشكاليات في الداخل وتزعزع الأمن والاستقرار وتصدر عناصر الإرهاب والتكفير وقطاع الطرق والقراصنة لتشويه صورة اليمن وضربها من الداخل.
كان الزعيم الشهيد رحمه الله طبيب محنك لكل هذه الأسقام الناتجة عن طموح القوى السياسية الداخلية العليلة ومن يقف وراءها من قوى الظلام الخارجية، ويعطي الدواء بقدر حجم الداء بحكمة وفن ودها.. جنب اليمن مآسي وكوارث كبيرة بحسن قيادته ونفاذ بصيرته وبعد نظره ورباطة جأشه واستيعابه لكل المجريات وأهداف الجميع في الداخل والخارج.
كادت أن تضرب الوحدة الوطنية في مقتل بصيف ١٩٩٤م، ونجح القائد الشجاع في ترسيخ الوحدة مع كل الشرفاء والنبلاء والأوفياء.. ودافع عن الجمهورية بــ٦ حروب معلنة غير المكولسة، وواجه عشرات الانقلابات ومحاولات الاغتيال والتصفية بحماية الله، كما كان شريكًا قويًا للقوى الدولية في مكافحة الإرهاب، وترسيخ الأمن والسلام الدوليين من خلال المشاركة الفاعلة في المحافل الدولية، وتقديم المبادرات الحكيمة والمقترحات الصائبة لرأب الصدع وردم الهوة بين المتصارعين في أنحاء الدنيا؛ كما له بصمة مشرفة ومضيئة في الدفاع عن القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على أرضه المباركة التامة دون نقصان أو اجتزاء.
إنشاء دول تجمع صنعاء كان يهدف لحماية وتأمين وضبط مضيق باب المندب وبناء مشاريع عملاقة تخدم التجارة الدولية والأمن القومي اليمني والعربي بأبعاد عميقة اقتصادية واستراتيجية شاملة.
هذا التبع اليماني العظيم خسره الشعب اليمني خاصة والعالم العربي والإسلامي والأسرة الدولية بشكل عام، لأنه واع وصادق أدرك مسؤولياته الداخلية ونفذها بكفاءة وجدارة، واستوعب متطلبات السياسة الخارجية فتفنن فيها وخدم بذلك الشعب والوطن وحماهما لأكثر من ثلاثة عقود من البناء والتنمية والتقدم والازدهار.
فعندما وجد مطالب جزء من الشعب المتأثر بموجة الربيع المشؤوم، نقل السلطة لنائبه عبر تزكية شعبية بصناديق الاقتراع، وحرصًا على حقن الدماء وسلامة المنجزات، وبناءً على المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، وتتالت الأحداث المعروفة لدى الجميع، فمن خشيته على النظام الجمهوري والوحدة الوطنية وما تبقى من المنجزات أعلن الانتفاضة الشعبية ضد الجهل والفقر والمرض والاستبداد والعنصرية والطائفية الناتجة عن تغول الجماعة الحوثية وأنانيتها وظلمها وظلامها واستئسادها، وجلبها وممارستها لكل الخراب والدمار، وقدم روحه ورفاقه الأفياء فداء لليمن، وتضحية في سبيل الله والمبادئ والقيم، رحمه الله وأسكنه فسيح الجنات.