عام 2004م، هو الذي قدم للعالم نوعًا من رياضة ربما كانت موجودة لكنها لم تكن رائجة، خطيرة وفي نفس الوقت ممتعة، وهي رياضة الباركور.. البطل يقوم بعدد من الحركات والتحركات، من دون مساعدة أو أسلاك أو مؤثرات بصرية، كان ممتعا للمشاهدين؛ وتمت مقارنته بفيلم تايلاندي بعنوان Ong-Bak.
الباركور: رياضة وممارسة لاجتياز العقبات في بيئة من صنع الإنسان أو البيئة الطبيعية من خلال استخدام الركض والقفز والتسلق والتدحرج وغيرها من الحركات الارتجالية؛ للتحرك من نقطة إلى أخرى بأسرع وأكثر طريقة كفاءة ممكنة دون استخدام أي معدات، وذلك وفقا لموسوعة Britannica.
تم تطوير هذه الرياضة في فرنسا في أواخر الثمانينيات، قبل أن تنتشر لها مقاطع فيديو على الإنترنت والإعلانات والوثائقيات والأفلام الروائية الطويلة، مثل جيمس بوند: كازينو رويال في عام 2006م.
تعود أصول رياضة الباركور إلى التربية البدنية، وأساليب التدريب التي بدأت في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى من قبل جورج إيبر، وعُرفت باسم “الطريقة الطبيعية”.. تضمن ذلك النظام التدريب على الركض والقفز والتسلق والتوازن والسباحة والدفاع واستخدام مضمار عوائق والتي كان يُطلق عليها حينها “Parcours Du Combat”.
عبر الأزمنة المُختلفة، وُجدت ممارسة حركات مماثلة لحركات رياضة الباركور في العديد من المجتمعات المختلفة؛ وتوجد عدد من التقاليد الرياضية المشابهة للباركور منذ قرون بين مختلف القبائل الأصلية في قارة أفريقيا.
كما وجد في الثقافة الصينية، نظاما مشابها للباركور، يُدعى “شينغونغ”، وهي تقنية تدريب فنون الدفاع عن النفس، ويرجع تاريخها لقرون من الماضي، ودُرست بشكل خاص في مدرسة أوبرا بكين خلال القرن العشرين.
ويعد أبرز طلاب هذه المدرسة هو الممثل الشهير “جاكي تشان”، الذي توفر له الأساس الذي بنى عليه كافة أعماله البهلوانية في سينما الحركة في هونغ كونغ وما تلاها.
أما في أوروبا الغربية، فقد تطورت رياضة الباركور عبر ضابط البحرية الفرنسية جورج إيبر، والذي روج قبل الحرب العالمية الأولى لأهمية المهارات الرياضية على أساس نماذج تعرف عليها من القبائل التي التقى بها في قارة أفريقيا.. “أجسامهم كانت رائعة، مرنة، ولديهم قدرة على التحمل والمقاومة، من دون أي معلم في صالة الجيم، فقط الحياة الطبيعية”.
في عام 1902م، جورج إيبر كان يتواجد في بلدة سان بيير في مارتينيك، أثناء سقوط البلدة في كارثة ثوران بركانية، إيبر ساعد في عمليات الإخلاء والإنقاذ، وساعد في إنقاذ 700 شخص أو أكثر من تلك الكارثة.. تسببت تلك الخبرة فيما بعد، بتأثير كبير عليه، إذ عززت الاعتقاد لديه بأن المهارات الرياضية يجب أن تُدمج مع الشجاعة والإيثار، ثم طور تلك الأخلاقيات في شعاره “لكي تكون قويا، يجب أن تكون مفيدا”.. إبان عودته إلى فرنسا، أصبح إيبر مدرسا للتربية البدنية في كلية ريمس، وبدأ في تحديد مبادئ نظام خاص للتربية البدنية وخلق الأجهزة والتمارين لتعليم ما وصفه حينها بـ “طريقته الطبيعية”، بالإضافة لأنظمة تدريب تشبه التي لاحظها في أفريقيا، واستوحى نموذجه من التمثيلات الكلاسيكية للجسد البشري في التماثيل اليونانية والرومانية، والمثل العليا للألعاب الرياضية اليونانية القديمة.
نظام إيبر رفض الطريقة السويدية الشعبية للتربية البدنية، وبالنسبة له، كانت غير قادرة على تطوير الجسد البشري، وغير قادرة على إعداد طلابه مع تطور المتطلبات الأخلاقية للحياة في ذلك الوقت وفقا لوصفه.. خلال فترتي الحرب العالمية الأولى والثانية، توسع نظام التدريس وأصبح النظام القياسي للتعليم العسكري الفرنسي مستوحاة من نظام إيبرت أو Parcours Du Combat، التي ساهم في تطويرها مهندس سويسري حينها بمساعدة نظام إيبرت نفسه.
رايموند بيل ابن طبيب فرنسي وأم فيتنامية، ولد عام 1939، وخلال الحرب الهندوصينية الأولى في الفترة ما بين 1946 و1954، توفي والده وانفصل عن والدته في عمر السابعة، وقرر الاعتماد على نفسه للتدرب بقوة، لكيلا يصبح ضحية قط مهما حدث، وفي الليل حينما ينام الجميع، كان يركض ويتسلق بين الأشجار، وكان يستخدم الموانع العسكرية وأدوات التدريب سرًا للتدرب، وأنشأ حصصا تدريبية لاختبار مدى قوته وتحمله ومرونته.. تمكن من خلال تلك الطريقة من تخطي صعاب فترة طفولته، وبعد ذلك أصبح متميزا للغاية، ثم عاد إلى فرنسا وظل يدرس في الجيش حتى سن الـ 19، وانضم لوحدة الإطفاء والإنقاذ التابعة للجيش الفرنسي.
فيما بعد، أنجب ابنه ديفيد بيل، في عام 1973م، الذي كان متأثرا بنشأة ورياضة والده، وتعلم أساليبه من خلال المحادثات معه، وقرر تطوير مهارات يستفيد من خلالها في حياته، وتعلم ديفيد أساليب تمرين من والده كان يُطلق عليها Parcours أو باركور، والده أخبره أن تلك لم تكن لعبة بقدر ما هي شيء حيوي مكنه من النجاة خلال ظروف صعبة وحماية الأشخاص الذين كان يهتم لهم.
ديفيد تدرب في البداية وحده، ثم بعد ذلك وجد مجموعة من الشباب من ضمنها أبناء عمومته، وتضمنت المجموعة عادة كل من ديفيد بيل وسيباستيان فوكان وتشاو بيل دين وويلام بيل ويان هناوترا ولوران بيمونتيسي وجوليان نجوبا بويكي وماليك ضيوف وتشارلز بيري، وأطلقوا على أنفسهم اسم “ياماكاسي” وهي كلمة تعني “الرجال الأقوياء، والأرواح القوية”.. المجموعة كانت تستلهم الثقافة والفنون القتالية الآسيوية، وتحركات جاكي تشان الأكروباتية التي كان يقوم بها في أفلامه التي صدرت في هونغ كونغ، وفلسفة بروس لي التدريبية.. قررت المجموعة وضع تحديات مختلفة لأنفسهم لكي يحققوا ما يمكن وصفه بالنجاح، مثل التدرب من دون ماء وطعام، أو عدم النوم، أو أرض غير مدفأة لاحتمال البرد.
الشخص الذي يقوم بنشاط خاص برياضة الباركور أو الركض الحر يطلق عليه تراكور أو Traceur.. لا يتطلب الباركور تدريبا محددا أو ملحقات بعينها، الجسد يكون الأداء الوحيدة التي تُستخدم من أجل هذه الرياضة، من خلال المثابرة والانضباط والغريزة.. ساحة التدريب تكون منطقة مناسبة أو قاعة باركور للتدرب على التقنيات والتحركات وتحسين العضلات، ومن المهم تواجد مدرب متخصص للتعلم بسرعة وشكل صحيح، فرياضة الباركور تتطلب توازنا وقوة كبيرين، ففي البداية يجب تطوير العضلات والتوازن.
يمكن فيما بعد التدرب على التحركات والأساليب بسهولة، من خلال تمرينات مثل السحب والقرفصاء والضغط وغيرها، وبمجرد الوصول لدرجة من قوة الجسد، يبدأ المُتدرب في تعلم كيفية الهبوط والتدحرج بسلاسة مع قفزات من ارتفاع نصف متر إلى متر كبداية، وتكتمل مناورات القفز والتسلق أثناء العمل على هذه الحركات، ويجب أن يخلق كل متدرب أسلوبه الخاص، باستكشاف حركاته المفضلة التي تتناسب مع جسده.
مع التدريبات والتمارين المنتظمة، يمكن للمتدرب الحفاظ على لياقته الجسدية، وتجربة حركات جديدة في مناطق مختلفة من أجل خلق أسلوبه الخاص، ويمكن للمتدرب العثور على أشخاص لهم نفس الاهتمامات للتدرب معهم، واختيار أماكن مثل المتنزهات الخارجية أو قاعات للتنزه، للتعرف على أشخاص لديهم نفس الاهتمام برياضة الباركور.
لا تتطلب الرياضة معدات عديدة، فقط حذاء رياضي مناسب للرياضة وملابس مريحة، فاختيار ملابس لست بحاجة إلى تعديلها أو إصلاحها أثناء التنقل هي خيار جيد لرياضة الباركور، ويمكن أن تجد بدلة رياضية أو زي مناسب يتوافق مع أسلوب المتدرب، والأمر ذاته مع الحذاء، الذي يجب أن يكون مريحا للغاية لتجنب الإصابات.. زوج الأحذية الذي يتميز بالمرونة والمتانة هو أهم معدات باركور، فمن الضروري الحصول على حذاء خفيف الوزن وممتص للصدمات أثناء أداء الباركور.. فالنوع الجيد من الأحذية يساعد على الإحساس بسطح الأرض وحماية القدم والمفاصل أثناء القيام بالحركات المختلفة، ويجب أن تكون عالية الجودة للحد من خطر الإصابات وكذلك لاستخدامها على المدى الطويل، ولا يجب أن يكون الحذاء ضيقا.
وفي بعض الأحيان يُفضل ارتداء معدات وقائية خاصة للمبتدئين، مثل القفازات الخاصة بالرياضة، وهي من بين المعدات الأكثر أهمية، وبما أن الإحساس بالسطح مهم للغاية في رياضة باركور، فيجب استخدام نوع قفازات من دون أصابع، وأن تكون مرنة ومريحة، وكذلك وسادات للكوع والركبة.
يمكن القيام بهذه الرياضة في أي وقت من السنة، رغم ذلك يكون من الصعوبة وأحيانا خطورة، أن تُمارس أثناء فصل الشتاء، وفصل الربيع يكون مناسبا لاستخدام قاعات باركور وكذلك في الخارج..ذتم تأسيس المنظمة الدولية للباركور والتي تتضمن الاتحاد العالمي للركض الحر والباركور عام 2007، وعملت مع شبكة MTV لإنتاج عدة عروض متصلة بالباركور.. وأضاف الاتحاد الدولي للجمباز رياضة الباركور في لائحته عام 2017م، رغم وجود اعتراضات عديدة، وشكل ما عروف بـ “باركور الأرض” لتمثيل عدد من الاتحادات الوطنية، وتضمنت المنافسات الركض السريع وأحداث متصلة بالتحركات الحرة.. وأقيمت أول كأس عالم للباركور عام 2018م، وكان من المفترض أن تقام بطولة العالم في أبريل 2020م، إلا أن وباء كوفيد 19، حال دون إقامتها.
الركض الحر هو فن التعبير عن النفس في بيئة ممارسه من دون أي تحديد للحركة، وأسسه سيباستيان فوكان، الذي كتب كتابا عنه.. أما الباركور فهو نظام تدريبي شامل يستخدم التحركات الناتجة عن التدريب في مسار العقبات العسكرية.. لا توجد نصائح ثابتة في تدريبات الباركور، فلكل مدرب طريقته الخاصة، أنشطة مثل اليوغا والملاكمة والسباحة والركض ستساعد جسمك لكي يكون في حالة بدنية جيدة ومستعد لأي شيء تقريبا.