افتتاحية العدد ٩٢ من صحيفة التصحيح
بقلم أ/ عمر الشلح رئيس التحرير
سجيتان يتحتم توفرهما في كل من تُوكل إليه وظيفة رسمية بشكل عام وبالأخص الوظائف العليا بالدولة، لدورهما المحوري في إطلاق الطاقات الإيجابية العملية، وتمثيلهما للدافعية المرجوة في تحقيق الأهداف الوطنية، وتطبيق الاستراتيجيات المرسومة التي غايتها الرئيسة تحقيق التنمية المستدامة للشعب، وضمان استقرار ونمو وتطور مؤسسات النظام السياسي.
إن الإخفاق الجاري حاليًا لمنظومة الدولة في اليمن له أسباب عديدة أبرزها غياب الكفاءة والنزاهة؛ بالإضافة لملشنة الجيش والأجهزة الأمنية، وطغيان الأنانية والذاتية والنرجسية والولاءات الأيديولوجية والتدخل الخارجي والتمويل الظلامي من قِبل الطامحين لتغيير خارطة الوطن العربي تحت مسمى الشرق الأوسط الجديد.
ليس كفؤًا ولا نزيهًا ولا وفيًا بالعهد والقَسَم من يُسَلِّم قرار ومصير البلاد لقوى خارجية أيًا كان شكلها ونواياها ورغباتها ومراميها؛ وكذلك من تغلب عليه أطماعه وجشعه وأنانيته وجماعته وحزبه على حساب المصلحة الوطنية العليا.
المشاعر الانفعالية، والتعصب الأعمى، والإصرار على الباطل، والحمق والعناد، وقصر النظر، والتصلب على القناعات والمواقف، وتضارب الإرادات، وإقصاء الآخر، والانتصار للذات، وممارسات الثأر والانتقام، والتسابق لإرضاء الأجانب، والتخلي عن المسؤوليات الوطنية، واحتقار واستصغار إرادة الشعب، وممارسة الكبت والقمع والإرهاب والجريمة والظلم والقهر والحرمان، وفرض الجبايات مع تغييب الخدمات، علاوة على تهريب وبيع الآثار والمخطوطات والزئبق الأحمر، واستجلاب آلات الموت من “مختلف الأسلحة والمخدرات والأدوية المخالفة للجودة والمقاييس والبضائع منتهية الصلاحية أو المشرفة على الانتهاء… كل ذلك علل وأسقام وأمراض استشرت وتوسعت وتوغلت وانتشرت في المجتمع اليمني نتاج غياب الكفاءة والنزاهة فيمن تربعوا على كراسي السلطة، وانعدام أهليتهم في المناصب التي وصلوا إليها أو أوكلوا بها من الضعفاء أو المشكوك في ولائهم للشعب والوطن.
الحكومة اليمنية الشرعية تضع اليوم بين أيدي الأسرة الدولية برامج إصلاحات شاملة ومبادرات شُهدَ لها بأنها نوعية؛ وللأسف لا تغدو أكثر من حبر على ورق؛ بهدف جلب المزيد من الدعم والإسناد الذي يذهب في فجوات سوداء لا قعر لها؛ في الوقت الذي لا يعلم أحد أين تذهب موارد الدولة، ومبالغ الدعم الدولي الرسمي والمنظمات المانحة؛ لما يقارب عقد ونصف من الزمن، مع تصريح النيابة العامة بتسَلُّم ملفات فساد متزايدة توحي بعدم نزاهة قيادة الشرعية التي أضعفت المؤسسات كي تَثْرَى وتنفذ الاملاءات الخارجية وتؤمن لنفسها البقاء والنفوذ ولحواشيها الرفاهية المطلقة والاستثمارات غير المحدودة خارج الحدود بتغطية وتواطؤ وتسهيل الأجنحة المظلمة في التحالف العربي والأمم المتحدة.
أما حكومة صنعاء فإنها تغرق أكثر وأكثر في مستنقع الدم والظلم، وتسخر جهودها ووقتها وخيرات الشعب لتدوير عجلة الزمن للخلف، وترسخ الرجعية والطائفية والمناطقية، وتبني لنفسها صورة دينية قومية ديكورية كبالون مطلي بالذهب، مزيفة وعي الجماهير والعوام من شعبنا وشعوب أمتنا، مُسخِّرة طاقات إعلامية هائلة لأهدافها التخريبية، موزعة أذيالها وأصابعها في كل المحافل الدولية والمنظمات الإنسانية العاملة في اليمن بهدف قلب الحقائق، واحتكار الفائدة، وترميم وجهها المرقع بالخبث والجريمة والظلم والظلام بشعارات براقة وخطب رنانة ومظاهر غير حقيقية كالدفاع عن الوطن وسيادته ووحدته وعن فلسطين.. ومارست تبادل الألعاب النارية مع أكثر من قوة إقليمية ودولية بشكل درامي مفضوح، أشبه بحلبات المصارعة الاستعراضية والأفلام الهندية والأكشن الهوليودي.
من خلال الملاحظة والتقييم والاطلاع على المدخلات والعمليات والنتائج نرى أن الجماعات الدينية للأسف البالغ ليست حقًا دينية ولا حتى دنيوية؛ بل أدوات تخريبية محكومة بأجندات وأهداف أجهزة ماسونية شيطانية ترتدي وجه أبى بكر وتمارس فعل أبى لهب.. بل هم الجزء الأكثر سوداوية من تاريخ وطننا وشعبنا المعاصر.. وكحلٍ للكارثة التي يغرق فيها شعبنا يجب أن تُحيَّد هذه الجماعات من النواحي السياسية والفكرية والأيديولوجية من خلال سياسات وإجراءات صارمة معززة بترسيخ نهج الوسطية المثلى والاعتدال الواعي، وإبعادهم عن المؤسسات التعليمية والعلمية والوزارات الوطنية السيادية والمناصب الحساسة في الدولة.
لازم بالضرورة تمكين الكفاءات من صنع واتخاذ القرار بحياد وموضوعية، وبناء مؤسسات قوية وشفافة ابتداءً من مؤسسة الرئاسة والسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والمحلية، وتطوير وتأهيل وتدريب القوى الحكومية العاملة في مختلف درجات السلم الوظيفي، وتعزيز المشاركة المجتمعية والحوكمة الرشيدة، ومكافحة الفساد، وترسيخ ثقافة النزاهة والالتزام بالأنظمة واللوائح، مع تفعيل مبدأ الثواب والعقاب، واستنساخ التجارب الرائدة في إدارة الدولة النموذجية مع مراعات الخصوصية واختلاف الإمكانات، فقط توجد الإرادة ويبدأ التنفيذ وبالله التوفيق.