“أدوات الدولة” المفقودة والفوضى المنظمة

الإرادة السياسية هي القوة الدافعة لصنع واتخاذ القرار المتوائم مع الخطط الاستراتيجية للدولة التي تحترم نفسها وتدرك واجباتها تجاه شعبها وأمتها؛ وتعرف أن وظيفتها الأساس هي تقديم الخدمات للشعب وحمايته من الأطماع الخارجية والفوضى الداخلية.. العزيمة والإصرار على التحديث والتطوير؛ بالتزامن مع الالتزام بالدستور والقوانين النافذة، والعمل الجاد بالبرامج والتوصيات والمقترحات من الإدارات المختصة؛ وتحويل الرؤى والأفكار إلى واقع ملموس على الأرض.

تسبقُ الإرادة رؤية وطنية شاملة تلبي الطموحات والآمال في كل جوانب الحياة.. رؤية تراعي مصالح الشعب وتضعها فوق كل الاعتبار، وتمثل الدرع الواقي للوطن من كل الأخطار، رؤية ذات أبعاد إنسانية تربط بين الأصالة والمعاصرة، ترسخ نهج الإيمان والحكمة والوسطية والاعتدال، دومًا في حسبانها البعد الحضاري والمكانة الاجتماعية لشعب أصيل؛ هو أصل كل القبائل الناطقة بالضاد في مشارق الأرض ومغاربها، ومنبع كل المبادئ والقيم والنخوة والشيم والمُثل السامية العليا.

إن الخطط الاستراتيجية الكبرى تحتاج لعظماء متمكنين لتنفيذها؛ والعظمة تكمن في الولاء الحقيقي والانتماء الصادق الخاليان تمامًا من التبعية والارتهان، فالسلاح وإن كان ماضيًا حادًا يحتاج لعقل وزند ومعصم وقلب فيهم القوة والصلابة والثبات ورباطة الجأش، يُتَرجِموا الإشارات العصبية الهادفة لتنفيذ المراد؛ فيتحقق المبتغى ويُنال المقصد.

اليمن كغيرها من بلدان العالم امتلكت روح الدولة، وتفردت بقطعها أشواطًا سبّاقة في الشورى الحكيمة والحُكم العادل والتقدم الحضاري والبحث العلمي في بحار الوجود والكون والحقيقة وفلسفة الذات والآخر والأحياء والطب والسيمياء والملكوت والروحانية والجمال والكمال، بالأدلة قطعية الثبوت والدلالة المشعة نورًا عابرًا للنصوص السماوية والآثار التراثية والتاريخ الناطق والإنسان المتسلسل.

وللأسف البالغ أتت الثقافات الدخيلة بما تحمل من سلبيات وشوائب متكاملة مع نظائرها من غرائز وشهوات وأهواء ومطامع وأجندة فخلطت الحابل بالنابل، وخدشت جمال المظهر، وزعزعت كيان الجوهر، وضعضعت مكامن الأصالة والنور، والتبس الأمر على العقلاء، وتضبب الصواب لدى الحكماء، واسودت الدنيا في وجوه العامة، وخف مغناطيس البوصلة فتغير المسار، وسال لعاب ضعفاء الولاء والأصالة على فتات فضلات الأعداء والخصوم، وتغلبت الأنانية والذاتية على الحق والموضوعية، وتعقدت المشاهد، وضاقت الأرض بما رحبت على النبلاء والصامدين فاستحالت الحياة، وتلاشت السعادة والطيبة، وفَقدت الحياة رونقها، واستأسدت الكلاب والثعالب والذئاب.

الاحتلال والاستعمار ابتكر طرق جديدة لضرب المجتمع العربي الذي أصله وعموده الفقري “اليمن”؛ واستهدف وحدة الكلمة فخلق التشظي والانقسام والصراع والصِّدام، وزرع بذور الشقاق واشترى ذمم أهل الغل والنفاق، واخترَق بوسائل الإعلام والتواصل كل بيت ومطبخ.. وجد فراغًا وانعدام تحصين فاستغله وتمكن؛ وحرف بوصلة الأجيال نحو ضياع الأوقات في الترفيه والمجون وملاحقة المعروضات والسفور وتحفيز الغرائز وإشباعها، ونشر الرذائل والجرائم والخيانات والرعب والإرهاب والنصب والاحتيال والكذب والدجل والتزييف والمنتجة والدبلجة والزيغ والزلل.

فاسألوا ساسة اليوم وقادة المجتمع ماذا تبقى من المبادئ والقيم؟!، وأين الولاء والانتماء؟! ما هو دورهم في خدمة الشعب وحمايته وتحصينه؟! وكم نسبة الرجولة والحكمة فيهم لإنقاذ ما تبقى في الوطن من منجزات الثورة والجمهورية والثقافة والآثار والتراث؟! وقيسوا نسبة الخير والشر، والصلاح والفساد، والبناء والتخريب، والتنمية والإفساد فيما تواجهونه بيومياتكم وما ترونه بأنظاركم كل يوم؟! وما مهمة أدوات الدولة التي بحوزتهم؟! وما هي غاياتهم؟ وأين يريدون لهذا الوطن العريق أن يصل بحمقهم وتلاعبهم وشتاتهم وتبعياتهم وتعدد مشاربهم ومموليهم وأسيادهم؟!

إن العبء ثقيل والمسؤولية كبرى والحياة قصيرة والحساب عسير والعاقبة في ميزان عادل.. الزمن لا يرحم، والجميع في اختبار صعب، فمهما توفرت وسائل الرفاه الشخصية الناتجة عن الفساد وتجارة الدماء والأرواح والذمم؛ نجزم يقينًا أن السعادة لا تجد طريقًا إلى حياتهم، والعافية لا سبيل لها إلى أجسادهم إلا من رحم الله، وزكى نفسه وأخلص لشعبه ووطنه وأمته.

فعلى الجميع اليقظة، والعودة للصواب، والتخلص من الأنانية والذاتية والمناطقية والتبعية والطائفية والأحقاد والبغضاء والثارات والضغائن والحسد؛ ليعود الخير والنور والبناء والترميم والتنمية، ونرى شعبنا معافى وجمهوريتنا سليمة صحيحة من الأسقام والعلل.

Exit mobile version