كتابات وآراء

مقادير الله تعالى في أرضه تجري بأيدي خلقه

أ.د/ خالد القيداني

أثبتت الوقائع السياسية والاقتصادية المعاشة، على المستويات المحلية، والدولية وجود سلطة عالمية عميقة نرمز لها بـ”س ع م” (Deep Global Authority) (DGA) تتحكم في أغلب الأحداث العالمية.. فهي من توجه جُل مدخلات وعمليات النظام العالمي نحو مخرجات تخدم أهدافها؛ كما أن تبوأها موقعًا اقتصاديًا مهيمنًا على رأس هرم النظام العالمي، والدولي، يُمكِّنها من الإمساك بخيوط أي أحداث دولية أو عالمية تقع خارج نطاق استراتيجيتها ومن ثم استغلالها وإعادة توجيهها نحو تحقيق مصالحها؛ ولتحقيق أهدافها في المنطقة زرعت إسرائيل، وهي من تحمي وجودها، وإن استلزمت مصالحها محو اسرائيل فستفعل، وستُوجد كيان جديد يحقق أهدافها ويخدم مصالحها.

العام 1990م كان محكًا لتنامي هيمنة وسيطرة (س ع م) على العالم، فقد استحكمت على أغلب الأحداث الدولية بعد انتهاء القطبية الثنائية عقب انهيار الاتحاد السوفيتي كقائد للمعسكر الشرقي وتفرد المعسكر الغربي بزعامة أمريكا بالقرار الدولي؛ لقد ترتب على ذلك أن تعاظمت (س ع م) وأصبحت المتفردة والوحيدة التي بيدها القوة والقدرة للتحكم على العالم، فلديها وسائل مؤثرة وأدوات ذات نفوذ كبير تسيطر بهما على أغلب مجريات الأحداث السياسية والاقتصادية؛ بل وعلى المستويات الاجتماعية والثقافية.. لقد برزت سلطتها حتى أصبحت هي المتحكم الفعلي في كثير من دول العالم، وعلى أغلب الكيانات الدولية (منظمات دولية أو تكتلات إقليمية وعالمية) التي تشكل عالم اليوم.

هي لا تتوانى عن جعل العالم يعاني عدم الاستقرار لتضمن الاستقرار والرخاء والسلام والرفاهية للدول الفاعلة في منظومتها، ما جعل التوتر في العالم سمة دائمة وحول بيئته العامة والخاصة إلى أزمات مُزمنة، حتى أضحى لا يعرف معنى السكون سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وحتى ثقافًيا، كما أنها بين الحين والآخر تنقل وتُرَحِّل كل المشاكل التي تولد بين ظهرانيها إلى كاهل العالم أجمع.. هي من تخلق الأزمات في أغلب دول العالم ومن ثم تتحكم في عواملها وأسبابها لتستطيع إيقادها متى شاءت وإخمادها متى أرادت.

نجدها على الدوام، في سبيل تنفيذ أهدافها في العالم، تخلق مجموعة من الفجوات والثغرات داخل الدول، أو على الصُعد الجيوسياسية حولها، وتستخدمها متى اقتضت مصالحها كفتيل لإشعال أزمة أو صراع، أو حتى لإيقاد حروب أهلية أو إقليمية أو دولية.. فهي بكل الطرق، تبتكر الأسباب لتحقيق أهدافها على امتداد الرقعة الجغرافية لهذه البسيطة، فالنزاعات التي تنتهي بالحروب لا تخدم إلا أهداف ومصالح قوة عالمية وحيدة، نستطيع الإشارة إلى موقعها ومكانها ودولها بثقة مفرطة.. فاتجاه كل فوائد الأزمات والصراعات والحروب في العالم أجمع لا تصب إلا في صالح (س ع م) كمكون وحيد، ولا تخدم سوى أهدافها، فهي إما تحقق لها مكسبًا يعزز مصالحها القائمة أو تضيف لها مصالح جديدة.

لـ (س ع م) هدف وغاية استراتيجية ثابتة ومحددة، تتضمن استمرار تفردها بالسيطرة على العالم وتطويع طموحات الدول المنافسة واحتواءها سلماً أو حرباً، بالتأكيد هي تسعى بكل الطرق إلى رسم الأحداث عبر تحكمها بمدخلات عملياتها، أو من خلال القيام بإعادة توجيه دفتها إن وقعت خارج سياق مخططاتها، أما إذا لم تستطع أن تتحكم بمجرياتها فهي تبلورها بما يخدمها أو تستفيد منها كراكب الأمواج، فمن المحال أن تترك أي حدث عالمي سواءً كان سلبيًا أو إيجابيًا، إلا وتستفيد منه وتسخره لأهدافها، أو على الأقل تعمل على تحييده وعزل آثاره ونتائجه عن مصالحها، هي تقوم أيضاً بإعادة تشكيل الواقع المحلي أو الدولي وفق مصلحتها، وإن أدى ذلك إلى تأثر أو دمار المكونات الدولية الأخرى.

تبذل (س ع م) كل المساعي وتحيك المؤامرات للبقاء على رأس هرم السيطرة العالمية، إلا أن مسارات الأحداث تنذر، بل وتؤكد، أن نجمها أصبح آيلاً للأفول، وأن سلطتها وهيمنتها على العالم باتت تحتضر، إن الخوف كله يأتي من إدراكنا لما يمكن أن تُحدِثه كتلة عالمية لازالت تمتلك القوة المرعبة الأكبر على وجه الأرض، ومازال في يديها النفوذ الطاغي على كل العالم، وهي تدرك أنها في طريقها إلى الانحسار والموت، هي بلا شك ستفعل المستحيل، وستبذل كل الجهود سلمًا أو حربًا لمنع حدوث ذلك، ولو أدى الأمر إلى جر العالم إلى وضع كارثي حرج، ومصير مجهول.

ما يدور في العالم من فوضى، وما يعتري الدول من مشاكل وأزمات، وما سيحل بالعالم قريبًا من أزمات وكوارث، على كل الأصعدة وخاصة الصحية والاقتصادية والسياسية، هي نتاج المحاولات البائسة والتعيسة من (س ع م) لمنع الانهيار الذي تخشى أن يصيبها، وهو الذي سيحدث حتمًا، هي أيضًا مقدمة تنذر للانفلات القادم والعارم الذي سيصاحب انهيار قوة (س ع م) المرتبطة بأفول الدولار الأمريكي، والذي لم يعد بالإمكان إيقاف سقوطه فالمشاكل والأزمات التي ترتبت على طباعته بدون غطاء، والتي كانت تُرحل منذ عقود على شكل دين عام أمريكي قد تراكمت وأضحت اليوم أكبر بكثير من أن تستوعبها قدرات (س ع م)، بل وفوق أن يستوعبها العالم أجمع؛ قريبًا جدًا، وأقرب مما يتصوره البعض سنشاهد الكارثة الاقتصادية المرتبطة بلعبة الدولار تصيب الجميع دولًا وشركاتً وأفرادًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى