أ/ عمر الشلح رئيس تحرير صحيفة التصحيح
افتتاحية العدد التاسع والسبعون
من المؤسف جدًا والمعيب انزلاق الساسة في اليمن لمنحدر التخلي عن القرار المصيري للبلاد، ورضوخهم التام لمصالحهم الشخصية المتناغمة مع مصالح القوى الإقليمية والدولية، وفي الغالب الذائبة فيها، وكان الأولى بهم أن لا يضيعوا يمن الحضارة والتأريخ في دهاليز وأروقة ودُور وأديرة الغير؛ بالأخص أن اليمن يملك موارد تُمكّن من الاستغناء الذاتي في أغلب المجالات، وبالأخص الزراعة والصناعة والمعادن والمحروقات والأحياء البرية والبحرية، ويحظى بأجواء مثالية وموقع جغرافي فريد، يُسيل لعاب القريب والبعيد عليه.
إن ما يرتكبه الساسة بحق الشعب والوطن جريمة بشعة وفظيعة، تنسحب على سحق الطموحات والآمال، وتفضي لفقدان وتلاشي المنجزات الوطنية؛ والسير في طريق الانهيار الحضاري والأخلاقي معًا، وتقويض بنيان الدولة من الرأس للأساس.. يلهثون وراء الفتات المالي من الخارج، مع استمرار العبث والنهب لموارد الوطن، وفتح قنوات وترع تهريب الآثار والكوادر برًا وبحرًا وجوًا، بانعدام مسؤولية وموت ضمير.
ألم يأن للشعب الصابر والصامت أن يتحرك ويثور على كل هذا العبث والفساد والظلم، والاستبداد والنهب للحقوق العامة والخاصة من قبل المليشيات الطائفية المؤدلجة وأباطرة الفساد وهوامير التخريب وكهان الدين وعصابات المافيا ودعاة الطبقية والسلالية والمناطقية؛ والرويبضة القابعين في لوبيات الفنادق وعلى أبواب الأمراء والسلاطين والملوك.
غزارة صرف الرتب العسكرية والمناصب الإدارية والشهادات الأكاديمية ووظائف الإدارات الحكومية في غير محلها وبدون كفاءة ولا تأهيل ولا أدنى مقومات استحقاق؛ تعتبر إحدى الجرائم المستجدة التي تتزامن مع تصنُّم أصحابها عن العمل، وحيرتهم في تأدية الواجب، وضعفهم في فهم المهام والمسؤوليات التي توكل إلى نظراء مناصبهم في الدول البنائية العملية الأخرى، أو حتى في أسلافهم من رجال الدولة السابقين الذين أنعشوا المؤسسات الوطنية وبنوها بعرقهم ودمائهم وتضحياتهم.
أحوج ما نحتاج إليه اليوم هو الثورة التصحيحية للقضاء على كل هذا الباطل؛ بمختلف الوسائل والسبل؛ وفتح آفاق الحوار الجاد والحقيقي لإيجاد آليات ووسائل ممكنة في تطبيق دستور الجمهورية اليمنية وتفعيل النظام والقانون، وليس الاستبدال أو الابتكار، ولو وجدت تعديلات تناقشها مؤسسات الدولة وجهازها التشريعي المنتخب؛ وليس مراهقي السياسة وأذناب الخارج وأصابع الإرهاب الفكري والديني والأخلاقي.
ما سمي بمؤتمر الحوار الوطني في الماضي لم تؤتِ ثماره أكلها لأن نتائجه أمليت سلفًا على أعضائه من قوى الاستعمار الجديد، ولأن الأعضاء أنفسهم لم يكونوا عند مستوى المسؤولية والكفاءة، واختيارهم افتقد لأدنى المعايير السياسية والاجتماعية والجغرافية لليمن؛ بل كانت معاييره نابعة عن ترشيح من سفارات أجنبية ومكاتب تجارية ومنظمات دون وطنية وبعض أحزاب ديكورية أو مكونات ثورجية غير منطقية ولا مؤثرة إلا في الجانب السلبي والتخريبي.
إن كل أولئك يعدون بمثابة غرماء للشعب؛ فهم من أنتجوا كل هذا الخراب والتشظي والجوع والمرض والتشرد والنزوح والفقر والجهل وعمى الصواب، والتشقق الاجتماعي رأسيًا وأفقيًا.. يجب على الشعب أن يحاسبهم حسابًا عسيرًا، وينتزع منهم الامتيازات التي نالوها بدون مقابل خدمي منهم، بل يستعيد حقه المسلوب، وحريته المصادرة، وطموحه المُكبّل، وآماله المسحوقة، وحاضره ومستقبله الموؤود.. يتحتم على كل أفراد الشعب أن يزيتوا أسلحتهم الشخصية البيضاء والنارية وينظفوها من الصدأ والتآكل، ويتهيؤوا لفعل ثوري مسلح يضمن لهم صناعة الحاضر المستقل والمستقبل المشرق، وألا يسمعوا لهؤلاء الكهان سكان الكهوف والمغارات، أو الفاسدين الماكثين في الفنادق والطيرمانات.
بلغ السيل قمة الربى، وأوشكت بقايا الصبر على النفاد، لصعوبة الأوضاع المعيشية المصاحبة للفساد والقمع والاستبداد والتمييز الطبقي والسلالي والمناطقي، وانتهاك حقوق الإنسان، وتدمير “التعليم والإنتاج الصناعي والزراعي” وتوقف المؤسسات عن تقديم الخدمات، وغياب للدولة الحامية والخادمة، وحلت العصابات والمليشيات المستبدة والقمعية… كل هذه الجرائم وغيرها لا تعالجها إلا ثورة شعبية نرى وميضها يملأ الآفاق، وكلنا ثقة بالله وبأن الشعب المظلوم سينتصر على كل الظالمين والفاسدين بالعزيمة والإرادة والتضحية والإصرار، فدماؤنا وأرواحنا ليست بأغلى من دماء وأرواح آبائنا وأجدادنا الثوار الذين ضحوا بها لأجل الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية ونيل الحرية والاستقلال.