الأخبار الدولية

الصين والهند

على الرغم من أن الممرات التجارية تُحدد عادةً بشكل خطي وفقًا لأنماط النقل السائدة، فإنها تميل أيضًا إلى تعميق النشاط الاقتصادي وإنشاء مراكز لوجستية؛ سيؤدى هذا الارتباط المتزايد إلى انتشار المناطق الاقتصادية الخاصة، والمناطق الصناعية ومراكز النقل وغيرها من المساحات المخصصة، ما يخلق جغرافية جديدة لتنظيم الإنتاج وجذب الاستثمارات وتنظيم عرض العمالة؛ نتيجة لتحسين الاتصال بين هذه العقد والبر الرئيس، سيتحول الخط الحدودي بشكل متزايد إلى ممر تجارى، والذى بدوره يصبح وسيلة أكثر فاعلية للأنشطة الجيواقتصادية؛ ومع ذلك فإن التوترات الجيوسياسية بين الدول تميل إلى التحكم في الجيواقتصادية وإثارة المشكلات حول المكاسب السياسية.

يعد عقد ميناءي جوادر ووتشابهار أحد هذه الأمثلة، نشأ كلا الميناءين بدافع الحاجة إلى مراكز لوجستية والمنافسة الجيوسياسية، يمثل كلاهما نقاطا جيوسياسية مهمة للقوتين الصاعدتين، الهند والصين؛ تقع هذه الموانئ في بلوشستان، وهى منطقة فقدت استقلالها في القرن التاسع عشر خلال “اللعبة الكبرى”.. الآن تدخل موانئ تشابهار وجوادر عصر “لعبة كبرى جديدة”، مع إمكانية حدوث تداعيات وعواقب بعيدة المدى؛ يعد ميناء جوادر ثالث أهم ميناء للمياه العميقة في باكستان بعد ميناءي كراتشي والقاسم.

بالنسبة إلى الصين، تُعد كازاخستان بوابة إلى أوروبا، وباكستان بوابة إلى المحيط الهندي، تقع على تقاطع طرق الشحن البحري الدولية وتجارة النفط في باكستان، يمكن أن تعمل كمركز تجارة دولي لباكستان؛ يوفر ممر الصين باكستان الاقتصادي (CPEC) اتصالا بديلا بين الشمال والجنوب لممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب الذي تدعمه الهند.. أظهر الروس في الآونة الأخيرة بعض الاهتمام، خاصة بعد حربهم الشاملة مع أوكرانيا عندما بدأت الهند بشراء النفط من روسيا، وارتفعت الأرقام التجارية بين روسيا والهند بشكل صاروخي.. بالنظر إلى القواعد واللوائح الناشئة التي ستحكم التجارة العالمية والواقع العالمي لشبكة تجارية تركز على الصين تتداخل مع مجتمع اقتصادي موجه من قبل روسيا يشمل كلا من الطرق البرية والبحرية الآسيوية، فإن تطوير بديل لوجستي أو الاتصال بالإطار الحالي سيكون ضروريًا لجدول أعمال الهند للتنمية الاقتصادية والتمدين.

يعد ميناء جوادر مهما للغاية بالنسبة إلى الصين؛ حيث تأتى معظم واردات النفط من الشرق الأوسط عبر المحيط الهندي (مضيق ملقا)؛ وفقا لتقرير معهد وارسو، يتم نقل أكثر من 70٪ من صادرات الصين من البترول والغاز الطبيعي المسال عبر مضيق ملقا هذا؛ إضافة إلى ذلك، يتم نقل 60% من حركة التجارة الصينية عبر ممر التجارة هذا وبحر الصين الجنوبي؛ إذا قامت الصين بشيء مثل روسيا، مثل غزو تايوان أو أي دولة أخرى، يمكن للولايات المتحدة والهند استخدام تحالف مع سنغافورة لإغلاق هذه النقطة وعند القيام بذلك، سيتم على الفور حظر أو إبطاء 70% من إمدادات النفط الصينية، وكذلك 60٪ من تجارتهم.

إذا تم ذلك، فلن يكون أمام هذه السفن خيار سوى اتخاذ طريق طويل جدا، وحتى في تلك الطرق، يوجد حلفاء للولايات المتحدة يمكنهم جعل التجارة الصينية صعبة للغاية.. وبالمثل، فإن للصين العديد من نقاط الضعف في طريق تجارتها، ما يجعل من الصعب عليها أن تكون قوة عظمى، تهدف الصين إلى بناء طريق تجاري بديل، لذلك وللتغلب على القيود البحرية، تتحكم الصين بشكل كبير في ميناء جوادر، وقد قدمت مليارات الدولارات من القروض إلى باكستان تحت غطاء المساعدات وبدأت تملك ممر الصين باكستان الاقتصادي (CPEC) بشكل غير مباشر.. تم تأجير الميناء لمدة 40 عاما؛ حيث حصلت الصين في الآونة الأخيرة على عقد من الحكومة الباكستانية لبناء خط أنابيب استراتيجي للنفط الخام بطول 3021 كيلومترا يمتد من ميناء جوادر في باكستان إلى شينجيانغ في الصين.. وافقت باكستان أيضا على منح إعفاءات ضريبية لمدة 20 عامًا على أرباح الشركات الصينية وإيرادات خطوط أنابيب النفط، ثم سيتم ربط باكستان والصين بطريق سريع يمتد من جوادر إلى كاشغر.

إضافة إلى ذلك، فإن قيام باكستان بتأجير ميناء جوادر للصين لمدة 40 عاما يثير مخاوف الهند من أن هذا سيمنح الصين موطئ قدم في بحر العرب والمحيط الهندي، ويشكل تحديا للسيطرة البحرية الهندية، وهذا يظهر رغبة الصين في ممارسة القوة البحرية في المحيطين الهادئ والهندي؛ كما تتوقع الهند، قد يعمل ميناء جوادر كقاعدة للسفن والغواصات الصينية، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للهند.

بمجرد اكتمال العمل بشكل كامل، وليس الآن بسبب تردد المطورين الهنود الناتج عن الخوف من العقوبات الثانوية التي تفرضها الولايات المتحدة على الشركات التي تتعامل مع الحرس الثوري الإيراني؛ وذلك لأن الحرس مرتبط بالغالبية العظمى من الشركات الإيرانية المشاركة في مشروع ميناء تشابهار، والذي سيكون نقطة تحول أساسية للهند في تحقيق أهدافها في آسيا الوسطى.. لذلك، تواصل الهند رؤية ميناء تشابهار على أنه “بوابة” إلى آسيا الوسطى، استثمرت الهند في ميناء تشابهار الإيراني بموجب اتفاقية ثلاثية تشمل أفغانستان لتطوير هذا الميناء وربطه بطريق قرانة الأفغاني؛ من هناك، يمكن أن تتحرك إلى الشمال أكثر، لتصل إلى جمهوريات آسيا الوسطى وحتى روسيا.. تكمن الأهمية الاستراتيجية لچابهار بالنسبة إلى الهند في أنها تعمل كبوابة للعمليات الهندية في أفغانستان وآوراسيا؛ يعد ميناء تشابهار أقصر طريق بحري للدول غير المطلة على البحر في آسيا الوسطى، والبدائل الأخرى هي عبر موانئ بندر عباس في روسيا أو تركيا أو إيران.

حظى ميناء تشابهار باهتمام متزايد في الآونة الأخيرة كطريق عبور متعدد الوسائط أسرع وأكثر فعالية من حيث التكلفة مرتبط بممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب (INSTC) وذلك بعد الحادثة الأخيرة التي أدت إلى إغلاق قناة السويس التي كلفت اقتصاد العالم نحو 9 مليارات دولار أمريكي؛ يهدف ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب إلى نقل البضائع عن طريق البحر من مومباي بالهند إلى ميناء شهيد بهشتي في چابهار بإيران، ثم برا من تشابهار إلى بندر أنزلي، وهو ميناء إيراني على بحر قزوين، ثم عن طريق السفن من بندر أنزلي إلى أستراخان، وهى ميناء قزويني في الاتحاد الروسي، وأخيرًا عن طريق سكك حديد روسيا من أستراخان إلى أجزاء أخرى من الاتحاد الروسي وصولاً إلى أوروبا.

حظي ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب باهتمام أكبر في الآونة الأخيرة بسبب حرب روسيا وأوكرانيا وإيران (بسبب العقوبات الأمريكية، تم إخراجهما من نظام سويفت وهما تحت ضغط لإيجاد طرق جديدة لتشغيل اقتصاديهما بسلاسة).. ونظرا لأن ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب هو طريق أسرع وأرخص من قناة السويس التقليدية، يُقال إن الأول لديه القدرة على أن يكون بديلا للثاني، كما أن الاتجاهات عبر أرمينيا وجورجيا تهم الهند أيضا.. ومع ذلك، لم يتم توضيح ما إذا كان الاتجاه الأخير جذابا لتسليم البضائع إلى روسيا وأوروبا أم أنه يهدف فقط إلى ربط الدول بأسواق تجارة منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لم يتم توضيح هذا الموقف الهندي بعد، تم استثناء ميناء تشابهار من العقوبات الأمريكية؛ ومع ذلك، لا يزال خط السكة الحديد بين چابهار وزهدان مقطوعا.

في أوائل عام 2021م وبمبادرة هندية، تم إنشاء فريق عمل مشترك بين الهند وأفغانستان وإيران وأوزبكستان لاستخدام هذا المركز للنقل بشكل مشترك، وبعد انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، أكد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودى، في قمة منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) في طاجيكستان، على الاهتمام الهندي بالمزيد من التطوير لهذا الميناء بالتعاون مع دول آسيا الوسطى.. لذلك، يعد تطوير ميناء تشابهار مهمًا جدًا بالنسبة إلى الهند في إستراتيجيتها للاتصال؛ حيث سيسمح هذا الميناء للهند بتجاوز باكستان وإقامة علاقات تجارية مباشرة مع أفغانستان، ومن ثم احتواء نفوذ باكستان في هذا البلد في مرحلة ما بعد طالبان.. كما سيساعد هذا الميناء الهند على زيادة صادراتها إلى الدول المستهدفة وتقليل تكلفة نقل سلعها التصديرية بنسبة 30٪ عبر ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب.. في الوقت نفسه، فإن تحقيق خطة تطوير ميناء چابهار سيسمح للهند بموازنة نفوذ الصين في بحر عمان وميناء جوادر الباكستاني، يفسر هذا السبب الأخير سبب إعفاء الولايات المتحدة مؤخرًا لميناء چابهار من نظام عقوباتها الصارمة المفروض على إيران.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى