كتابات وآراء

غساسنة ومناذرة اليوم يدمرون الأوطان

الفرس والروم كانوا في سالف العصر يقتتلون بالعرب الغساسنة والمناذرة، وهاهم اليوم يكررون نفس السيناريو يرسلون رسائل لبعضهم بتدمير أوطاننا وسفك دماء شعوبنا؛ فهل يصحوا الأغبياء الذين وقعوا في فخهم أو رضوا لأنفسهم أن يكونوا أذيالا ودُمًى بأيدي جلاديهم؟!

المليشيات المسلحة التابعة للفرس “مناذرة اليوم” فتكت في أبناء الجيش والأمن والمواطنين والمؤسسات الرسمية غيلة وخديعة ومكر بدعوى مقاتلة أمريكا وإسرائيل؛ بتسليح وتمويل الفرس وتحت رايات آياتهم الشيطانية، وخلال تسع سنوات أتى الغساسنة وأسيادهم ليقاتلوا الفرس في اليمن ودمروا ما تبقى من كيان الدولة وبنيتها التحتية ومؤسسات الشعب التي بناها لعقود بعرق وجهد ليس بالهين ولا بالقليل.

القارئ لتأريخ وأطوار الحركات والجماعات والتنظيمات المسلحة التي تولدت وترعرعت وتطورت سريًا ثم ظهرت عملياتيًا تخريبيًا داخل الأوطان العربية التي منها بلادنا يرى أنها نِتاج عمل أجهزة مخابرات أجنبية، ولها ارتباطات وثيقة سببية بمشاريع دول كبرى متنافسة على النفوذ والمال الكوني؛ بدليل مباشر هو تمويل السفارات لها، وتدريب واستضافة قادتها وكبراءها، وحمايتها وإنقاذها كلما ضاقت بيد أذيالهم الحيل أو سُدت بوجوه عناصرها الطرق.

ولأن تلك الجماعات خارجة عن الشرع والعرف والقانون؛ تجد نفسها فوق الدولة، وتمارس إجرامها وفظائعها بوقاحة دون خجل أو ضمير أو اكتراث بنتيجة أو مآل؛ لأنها جمّدت عقولها، وسلّمت رقابها وأرواح المغرر بهم من الشباب والمضطرين من الشيوخ والموظفين لأسيادها الذين لا دين لهم إلا المال والنفوذ والسيطرة على حساب حاضر ومستقبل ومعتقد وإرث وموارد ومقدرات الشعوب والأوطان.

المعضلة الأكبر هي خلط الحق بالباطل؛ أو بالأصح إظهار الحق لتمرير وتحقيق الباطل؛ الأيام تكفل عبر التأريخ في كل عصر ومصر بإيضاح الحقائق، وتحتاج إعمال العقل فقط، والمقارنة بين ما كان وما هو حاصل وتوقع ما سيأتي، من خلال المؤشرات والقرائن والأحداث المتوالية؛ ففطرة العقل لا تقبل التناقض، ويا ما أكثر المتناقضات اليوم.

الدولة لا تأتي من كوكب آخر أو ترد من خارج الحدود، بل هي نخبة مختارة من المجتمع رضاءً لا جبرًا؛ تأخذ الامتيازات لتؤدي الواجب المتمثل بالخدمة والحماية؛ فكيف بمليشيات اليوم المتلونة والمتباينة وأباطرة الفساد؛ يتبجحون بالمناصب التي وصلوا إليها بطريقة غير شرعية، وينهبون كل ما تراه أعينهم وتصل إليه أيديهم دون رحمة للشعب الذي يتجرع الويلات والمآسي ويقدم يوميًا عشرات الشهداء بطريقة أو بأخرى هم سببها وآلاتها، وبلا رادع أو زاجر.

فعندما يعم مثل هكذا فساد وانحطاط وعمالة مركبة وارتزاق خَدّاع فإن الشعوب تصحو من السبات وتثور لأن الحرية أصيلة في الضمير الجمعي على وجه الشمول؛ لا يمكن أن تتأتى إلا بتظافر جهود الجميع عندما تتلاشى أو تستهدف، ولا تتحصل إلا بتعاون الشرفاء والنبلاء الذين يُمْكنهم إذكاء جذوتها وإشعال فتيلها بهدف خلق المصلحة العامة، والتضحية بالنفس والمال ليسعد شعب، ويتحرر وطن من الاستبداد والاستعمار والظلم والطاغوت.. خبراء العالم وكبراءه وأغلب الشعوب يدركون مكانة الشعب اليمني وأصالته وعمقه الحضاري وإرثه الكبير وشجاعة أبنائه الفريدة؛ فاستخدموا كل وسائلهم مباشرة وعبر أذيالهم من الدخلاء والطامعين وقصيري النظر وضعفاء النفوس في تغييب الشعب وسحق معنوياته وإفقاره وإلهائه عن حقيقته، والزج به في حروب عبثية لا ناقة له فيها ولا جمل بعد ضرب منظومة الدولة وتدمير مؤسساتها، وتفعيل قانون الغاب بدلا عن الدستور والقانون، ومحاولة ترسيخ ثقافات دخيلة فاسدة الطوية والمعتقد بهدف تعميق التشظي والانقسام، وخلق فجوات شاسعة في المجتمع يصعب ردمها مستقبلا.

فلا يمكن أن يتحقق الانتصار على الأعداء بمن هتكوا أستار الدولة والمجتمع، ودمروا النظام وتجاوزوا القانون واستبدلوا الدستور، يتحرشون في الغير بإرادة وقصد؛ ليجلبوا مزيدًا من الخراب، لا يهمهم أمن ولا استقرار، ولا حال المواطنين أو معيشة الناس، ولا وضع الدولة أو مستقبل الشعب.. مما يؤكد أنهم متورطون مع القوى الظلامية، وشركاء بما جرى ويجري وسيجري من خراب ودمار، وهذا يستوجب من الجميع اليقظة والانتقال لدور الفعل والتأثير الإيجابي بدلا عن الصمت والانتظار، فالتأريخ يسجل والأيام تمر والمظالم تتفاقم والفقر والجهل والمرض يفتك بالشعب، بجانب الانقسام رأسيًا وأفقيًا، ويكثر كل يوم دعاة السوء والتشطير والتمزق والشتات، ولا نسمع لدعاة الحق والخير أي بنت شفة أو موقف يستحق الإشادة ويصنع الأمل إلا النزر الأقل من اليسير، ويجب أن نغادر الجانب السلبي في عقول وإرث الغساسنة والمناذرة المدمر.. والله من وراء القصد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى