كتابات وآراء

ذكرى ميلاد الجمهورية اليمنية الـ٣٤

أ/ عمر الشلح.. رئيس التحرير.. افتتاحية العدد ٧٨

إن المجد الذي يصبو إليه كل ذي نفس أبية، ويحلم به كل شبل يرضع أصالته مع لبن أمه منذ نعومة أظفاره حتى يصلب عوده ويستلهم تاريخه آبائه وأجداده؛ واستنشاق النسيم العليل في أعالي القمم المادية والمعنوية والريادية؛ والتقدم الاقتصادي والتنموي في كل مجالات الحياة لا يمكن أن يتحقق إلا بالوحدة والاتحاد والتماسك والترابط والتعاضد والتكافل؛ فالوحدة سر القوة، ومكمن الأصالة، وعمق الحضارة، وأس وأساس البناء، وعمود التنمية، ومرتكز المكانة في الحاضر والمستقبل.
إلتمَّ الشمل اليمني في الثاني والعشرين من مايو الأغر عام ١٩٩٠م بعد عقود من التشظي الناتج عن الاحتلال الأجنبي الغاشم والنظام الإمامي البغيض؛ تسببا هذان الكابوسان في كمٍ هائل من المشاق والكوارث والآلام والمتاعب والأسقام والتردي والانقسام المثقل على كواهل الشعب لفترات ليست بالقليلة؛ وأبى الشعب اليمني العظيم إلا أن يتحرر من أغلالهم وينتصر لأمجاده وتاريخه، ويصنع حاضره المشرق بثورتي السادس والعشرين من سبتمبر ١٩٦٢، والرابع عشر من أكتوبر ١٩٦٣م، وحقق الحلم والهدف الكبير باستعادة اللُّحمة والالتحام بوحدته الفتية قبل ثلاث عقود ونيف؛ سرعان ما أثمرت التنمية الشاملة والازدهار التام والمنجزات العملاقة؛ ودفعت باليمن قُدمًا في ركب الدول الديمقراطية، بل صنعت أنموذجًا مشرّفًا سرَّ الأصدقاء وأغاضَ الأعداء، وحطّم طموح المغرضين والمتربصين.
عندما اعتلى هرم السلطة رجال عظماء حققوا ما كان في نظر الغير مستحيلا، وقدروا كفاح الشعب وتضحياته بالغالي والنفيس في سبيل تحقيق طموحاته وأهدافه، وكانوا خير مثال للقيادة الحكيمة والملهمة والرشيدة في رسم سياسات ناجحة بلسمتِ الجراح وعالجت القضايا والمشكلات في الداخل، وبنت سورا صلبًا متجذرًا لحماية الوطن بترسيم الحدود مع الجيران والأشقاء؛ واتخاذ إجراءات مقننة تضمن الحياد الإيجابي بعلاقات ندية مع الخارج في الإقليم والعالم، باتزان ودبلوماسية وحكامة ورشد ووعي بمصالح الشعب والوطن.. بالتزامن مع بناء مؤسسات وطنية مهنية متعددة الخدمات على رأسها القوات المسلحة والأمن، ورفدها بالكوادر والمعدات والعتاد اللازم لتواكب كل التطور والتحديث العالمي، وتضمن السيادة التامة، وتحمي مقدرات الوطن ومنجزات الشعب.
الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح القائد النموذجي البار بشعبه ووطنه، أدّى مسؤوليته بكل أمانة وإخلاص، مشى في خطين متوازيين: يدان تبنيان وعينان تحرسان بجهد جبار وعمل حثيث، ومعه نخبة كثرت مزاياها وقلت مثالبها؛ كان لها يعسوبًا موجها ومرشدًا، وبها سائسًا لما يتوجب ويلزم لوظيفة رئيس دولة بحجم اليمن الحضاري العريق والكبير.
ومع كل النجاحات التي حققتها الوحدة المباركة تحت لوائه ومظلته لم يسلم الوطن من المؤامرات والمكائد والاستهداف والمشكلات والمعضلات والعقبات من عناصر تخريبية في الداخل وقوى إقليمية ودولية ظلامية تغذيها وتقف خلفها وتسندها وتحميها؛ فعملت الدولة بمنظومتها الكاملة على مواجهة العقبات الكأداء، وصد المؤامرات الرعناء والاستهداف المكثف؛ وتفاعلت مع كل معضلة بما يناسبها؛ حتى أتت موجة الربيع العبري المشؤوم، الذي تظافرت فيه كل قوى الشر والإرهاب لضرب الدولة في مقتل؛ من خلال الإرهاب تارة، والتغرير والتظليل والحرب النفسية وقلب الحقائق تارة أخرى، فانخدع بها الكثير وتفاقمت الأمور؛ وكان حرص الزعيم الشهيد وطاقمه النبلاء- على حقن الدم وامتصاص الصدمات والاستهداف؛ بحكمة وروية- كبيرًا وعظيمًا وخطيرًا بنفس الوقت.
سطعت مع تلك الموجة القوى الظلامية التشطيرية والرجعية والإمامية، واستشرت الجماعات الإرهابية وتطاولت على كل المنجزات، ونالت من المؤسسات والمقدرات بتظافر رهيب وخبث شيطاني فوق المتوقع والطاقة والاحتمال؛ وبرزت أصابع الخيانة الكامنة، وتحركت الخلايا المتربصة النائمة، وحدث انقلاب على كل ما هو جميل ومنجز وتنموي، وتحول حال الشعب إلى جحيم بفعل المجرمين والقتلة وأسيادهم من خارج الحدود.
لم يقف الموضوع عند هذا الحد؛ بل تم استهداف قيادة الدولة ورموزها، وتصفية من أمكنهم بالاغتيال والإقصاء والاعتقال والتكميم والكبت والإرهاب، وختموها باتهامات كيدية مارقة ضد من تبقى من الشرفاء والنبلاء وإدراجهم في قائمة العقوبات الدولية حرصًا على إخلاء الساحة لهم ليتمكنوا من الفساد الشامل، ومحاربة الشعب واستغلاله والاستبداد به واستعباده دون رادع.
ففي الذكرى ٣٤ لوحدتنا الغراء يغمرنا الأمل باستيقاظ الشعب اليمني العظيم، وانتصاره لوحدته المباركة وتأريخه المشرف ورموزه النبلاء وجمهوريته الديمقراطية، ودولته العادلة، فالشعب مالك السلطة والقرار، إرادته قاهرة فاعلة، ومستقبله لن يتركه للعابثين والمجرمين من المليشيات المستبدة والعصابات المافوية، حياة بكرامة أو موت بشرف، والفرص توازي التحديات؛ وتفتقر للإرادة والعمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى