كتابات وآراء

ثورة تتجدد ومعركة مصير لا تتوقف

افتتاحية العدد ٩٩.. بقلم رئيس التحرير.. أ/ عمر الشلح

ثلاثة وستون عاماً مرت على ثورة 26 سبتمبر 1962م لكنها تظل كالنبع الذي لا ينضب، تروي ظمأ الأجيال للحرية والكرامة؛ لم تكن مجرد ثورة على نظام الإمامة المستبد، بل كانت ثورة على ثالوث التخلف: الخوف والجهل والمرض؛ فما الذي تقدمه هذه الذكرى لواقعنا المعاش؟ وكيف نستلهم أهدافها في مواجهة التحديات؟

لنجعل من الأهداف الثورية الستة بوصلة تنير الدروب في ليل العواصف الطارئة والتحديات الماثلة والكوابيس التي كتمت أنفاس الشعب لتدب فينا الحياة والأمل، ونستعيد مجد الآباء والأجداد، ونحقق ما لم يتحقق من طموحاتهم وأحلامهم التي ضحوا من أجلها بدمائهم وأرواحهم.

لقد جاءت الثورة السبتمبرية العظيمة بأهداف واضحة؛ صُوِّبت نحو خلق واقع جديد يتمثل بالتحرر من الاستبداد، وبناء جيش وطني قوي، ورفع مستوى الشعب، وإقامة مجتمع جمهوري عادل، وتحقيق الوحدة الوطنية، والدفع قُدمًا بإقرار السلام العالمي.. هذه الغايات لم تكن شعارات عقيمة أو برامج ورقية، بل هي خارطة طريق لكل النبلاء والشرفاء تُبيِّن ستة مخارج من نفق الأزمة الراهنة؛ فما أحوجنا اليوم إلى إعادة قراءتها في ظل مشاريع التفتيت والإمامية الجديدة التي تريد أن تعيدنا إلى عصر التخلف والرجعية بيافطات “الحق الإلهي بالحكم، وولاية الفقيه” التي تمثلا الباطل والفساد والظلم والاستبداد والظلام الدامس.

إن دعاة الإمامية الجديدة لا يختلفون عن سلفهم إلا في الأساليب والحيل والمكر والخديعة، فهم يريدون اختطاف الوطن لصالح مشروع سلالي طائفي، فبعد أن كانوا يقتلوننا بالسيوف ظلما نتيجة أحكام جائرة؛ ها هم اليوم يقتلوننا بالفتاوى المزيفة وبالتمويل الخارجي وبالتلاعب بعقول البسطاء؛ يشاركهم في ذلك دعاة الانفصال الذين يتغذون بأحلامٍ واهية لتقسيم ما تبقى من الوطن؛ وفي المقابل فإن الواهمين بالخلافة لا يقلوا في التخريب وخلق الفوضى والدمار عن سابقيهم؛ ويعيشون أوهامًا خيالية محال تطبيقها أو جزء منها، ولا مكان لها في عالم اليوم.

إن أعظم رد على هذه المشاريع التدميرية هو الحفاظ على الوحدة والجمهورية؛ والتمسك بالديمقراطية والدستور والقانون؛ فالديمقراطية ليست صناديق اقتراع فقط، بل هي ثقافة تقوم على احترام التعددية والاختيارات الشعبية وتؤكد حق التداول السلمي للسلطة؛ والتزام الدستور يعني أن تكون الكلمة العليا للقانون الذي يساوي بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز أو طبقية أو ازدواجية معايير.

ثمار هذا الالتزام واضحة: مجتمع تسوده العدالة، اقتصاد يغطي الاحتياجات الفردية والعامة ويقوم على الكفاءة، وطن يستوعب كل أبنائه بدون فروق؛ وسلطة تخدم الشعب بدلاً من أن تستخدمه.. إن تطبيق الديمقراطية يعني تحويل إرادة الشعب إلى واقع ملموس في الحياة اليومية يلبي الطموحات ويصنع التنمية ويحقق الأمن والاستقرار.

لا نغفل عن حقيقة أن اليمن يمر بأخطر مراحل التآمر من الداخل والخارج؛ فالقوى الظلامية تعلم أن اليمن القوي الموحد يشكل صخرة تتكسر عليها كل مشاريع الهيمنة؛ لذلك يسعون لتحويلنا إلى كانتونات طائفية وعنصرية؛ يسهل ابتلاعها واحتلالها اقتصادياً وسياسياً.. فدماء الشهداء التي سالت على ثرى وطننا الحبيب قديمًا وحديثًا ليست هدرًا ولن تكون سدىً، بل ثمناً لتحقيق الأحلام في وطن يسع الجميع؛ ومن حقهم علينا أن نكمل المسار، وأن نبذل الغالي والنفيس لبناء يمن القانون والمؤسسات، يمن المساواة والعدالة، يمن لا مكان فيه للطائفية أو العنصرية أو المذهبية أو المناطقية أو الطبقية أو التمييز.

ثورة ٢٦ سبتمبر تتجلى دومًا كمشروع تحرر دائم لا ذكرى مرحلة ولََّت وانتهت؛ ذكراها تنتشلنا من السبات؛ وتوقظ ضمائرنا من الركود، وتنفض عنا غبار الأيام؛ وتؤكد لنا بأن الثورة الحقيقية ليست في تغيير الأنظمة فقط، بل في تغيير العقلية التي تقبل بالاستبداد أو تعيش به.

إن الدماء التي سالت على ثرى أرضنا الطيبة تنادينا: لا تفرطوا في الجمهورية؛ لا تبيعوا الوحدة بأي ثمن؛ لا تسلموا القرار لغير أهله.. فلتكن ذكرى هذا العام نقطة انطلاق لثورة جديدة، وانتفاضة حقيقية للانعتاق؛ ثورة تحرر وبناء وتعليم وصناعة، ثورة تحقق أحلام الذين قدموا أرواحهم ثمناً لكرامتنا.

فإما حياةٌ تستحقها الأجيال القادمة “كرامة وشرف”، أو الموت تحت نير التخلف والظلم والرجعية والاستبداد؛ هذا هو درس سبتمبر الخالد، وهذا هو واجبنا تجاه الأجيال القادمة.. ولا مناص من المواجهة الدامية والكفاح المسلح والنضال الثوري لاستعادة الجمهورية وترسيخ النظام وحماية الوطن من عبث العابثين وخذلان المتخاذلين؛ يجب أن تحيا الجمهورية أو نموت في سبيل تحقيق مبادئها وقيمها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى