الاقتصاد اليمني في زمن الحرب وسيناريوهات المستقبل

العنوان لدراسة نشرت مطلع الشهر الجاري أجراها مركز مداري للدراسات والأبحاث الاستراتيجية الذي يرأسه المهندس/حسين سعد العبيدي، لخصت الوضع الاقتصادي بنسبة موضوعية، تكونت بتفاصيلها وملحقاتها من ٢٨ صفحة، تناولت تفاصيل ملفتة ومثيرة ومدهشة حول الاقتصاد الوطني وأسباب وحيثيات تدهوره، بعد المقدمة تعددت تبويباتها ابتداءً ب”إرث اقتصادي معقد.. انهيار منظومة الاقتصاد.. تفتت الدولة وتدمير الاقتصاد.. الفقر والمجاعة تهدد اليمنيين.. النفط المفقود وفساد العبث به.. سيناريوهات مستقبل الاقتصاد اليمني.. إهدار المال وضياع الثروات.. ثم التوصيات والمراجع”
ابتدرت الدراسة بالقول: سنوات الحرب كانت أكثر السنوات التي أطاحت بالاقتصاد اليمني، وأضعفت من واقع اليمن ليصبح هذا البلد الممزق كتلة من الحطام..
لم يعد هناك اقتصاد واضح، ولم يعد هناك شكل من الدولة الموحدة، التي تتحكم بكل الموارد وتقوم بتوفير كل المتطلبات القانونية والاقتصادية والسياسية، التي تفعل استمرار النشاط الاقتصادي وتقلل من خسائره، وترسم الخطط وتنفذ الاجراءات التي تحمي الواقع الاقتصادي والمالي.
انهيار الدولة رتب لهذا السقوط المدوي للاقتصاد، وظهرت العديد من الكيانات التي أصبحت تتقاسم المساحة اليمنية، وتعمل وفق أجندتها، حيث أن هناك تهرب من قبل هذه الأطراف، في الكشف عن الموارد والضرائب والتحصيل الجمركي والرسوم، كل هذه الإمكانيات تتقاسمها تلك الأطراف التي صارت تعزز من قبضتها على إمكانية الدولة، من أجل مصالحها واستثمارها الخاص.
مبيعات النفط لا يعرف أحد إلى كم وصلت، طوال سنوات الحرب؛ بل أن هناك تعتيم منظم من العديد من الأطراف السياسية اليمنية في استمرار العبث بمصالح اليمنيين، لتقوم بنهب الكثير من الموارد لمصالح محددة، ومازال هناك محاولات للتهرب من الكشف عن الواقع الاقتصادي والمالي في اليمن الذي يتعرض لأكبر عملية فوضى اقتصادية وعبث مالي، فالدور الحكومي وآلية عمل الحكومة وخططها كلها مجهولة هذا في عدن.
في المناطق النفطية هناك تدهور في الواقع النفطي، وهناك نوع من التحكم، والأنشطة المشبوهة تحدث، كما أن هناك أطرافًا داخلية وخارجية هي من تتولى التحكم في السياسات النفطية والاقتصادية والمالية في اليمن.
في مناطق سيطرة جماعة الحوثي وحكومة الشرعية هناك جمارك، وإتاوات وهناك تحصيل يومي، وهناك أموال تفرض على المحلات والأسواق والمصانع، كلها لا تذهب لخدمة واقع الناس، بل أن هناك سيطرة شبه كاملة على تلك الأموال لصالح جماعة محدودة.. انهيار الواقع الاقتصادي أعاق من استمرار اليمنيين، في المقابل هناك تدهور مستمر إلى جانب أن المجاعة تحاصر الكثير على كل مساحة اليمن.
لم يعد هناك واقع ايجابي يخلق لليمنيين خيار الحياة، ويساعدهم على انقاذ حياتهم، فسعر الغذاء يرتفع بينما لا يحصل اليمنيين في صنعاء على مرتباتهم، أما في عدن ومناطق الشرعية فالانهيار المتواصل للعملة خلق واقع من عجز الناس في تأمين وضعهم المعيشي.
وفي الإرث اقتصادي مُعقد نصت الدراسة على أن الحرب في اليمن عملت على إضعاف الاقتصاد اليمني كليا، مع ما كان يمر به في فترات كثيرة من واقع معقد، وارتبط ذلك بضعف واقع تنمية الموارد والصناعات وبقاء واقع الفوضى التي ظل يحتفظ بها الاقتصاد لعقود، وذلك مع وجود وسيطرة أدوات وسياسات سلبية فرضت هامشا ضيقا لحركة العمل الاقتصادي الحر.
كان يمكن أن يتطور الاقتصاد اليمني إلى مستويات أعلى ويتجاوز خليط السياسة، الذي فرض انهيار تدريجي لعملية تنمية أو تحسين واقع الاقتصاد، وإخراجه من الخريطة التدميرية التي اتجهت به نحو السقوط في فخ السياسة، وارتباطه بدائرة مغلقة من السياسيين، والشخصيات الاجتماعية النافذة، والمشايخ ورجال الأعمال الذين كانوا ولا زالوا على ارتباط وثيق بالسلطة.
تضاعفت أزمة الاقتصاد اليمني في السنوات الأخيرة مما أوصله إلى حافة الانهيار الكلي بعد أحداث الربيع العربي، حيث اتجهت القوى السياسية التي شجعت واقع الفوضى وتدمير المؤسسات ما بعد تلك الفترة إلى زيادة ممارسة سياسات لا تخدم إعادة تأهيل الاقتصاد وتطوير الموارد، وتحصيل الضرائب بشكل قانوني، ولم تفرض معايير متشددة في الجمارك وتضيق الخناق على الأنشطة غير القانونية، ولم ترسم سياسة اقتصادية فاعلة، بقدر ما حاولت تلك الأطراف تشجيع عملية التوظيف الكبير لأعضائها الحزبيين داخل الدولة والمؤسسات، وإقامة الفعاليات والأنشطة والندوات، التي كانت تكلف الدولة الكثير من الأموال.
عملت تلك القوى السياسية والمتمثلة بأحزاب اللقاء المشترك بعد تمكنها من ممارسة السلطة، على رسم سياسات ونهج فوضوي كان يدفع بالدولة نحو زيادة ضخ الأموال في مصالح محددة، وإن كان الوقت قصير لحكمها، لكن الحرب التي قامت بها جماعة الحوثية التي تسيطر على العاصمة صنعاء والعديد من المحافظات الشمالية أنها تمكنت من وضع يدها على البنك المركزي والمؤسسات المالية في سبتمبر من عام 2014م، أدى ذلك إلى تدمير واقع الدولة والاقتصاد كليًا.
وانسحبت الدراسة على هذا المنوال إلى أن ختمت بالتوصيات التالية:
1) يجب على الحكومة اليمنية تبني استراتيجية محددة وواضحة الأهداف، لتطوير والاستثمار بالقطاع النفطي، لكي يتم تحقيق إنتاج طاقة من النفط الخام والغاز بشكل دائم ومستمر واستعادة القطاعات النفطية للعمل، بعد استنزافها بسبب سوء الإدارة والعبث الكبير الذي صاحب مرحلة الحرب الدائرة في اليمن.
(2) العمل على عقد عدد من المؤتمرات العلمية والفنية، ودعوة الشركات العالمية ذات الاختصاص النفطي للاستثمار ولتحقيق فرص النفط الواعدة باليمن والاستثمار فيها، وربط تلك الاستثمارات بخطط الدولة اليمنية من أجل تحقيق تنمية مستدامة لليمن.
(3) الترويج للاستثمار في القطاعات البحرية اليمنية، كون اليمن يمتلك أكثر من 2000 كيلومترا من السواحل، والتي بالتأكيد تحتوي على احتمالية كبيرة لوجود النفط والغاز، وإشراك الشركات العالمية المتخصصة في تقييم تراكيب وأحواض الترسيبية من خلال صياغة عقود المشاركة وأعمال الاستكشاف بما يخدم اليمن وتلك الشركات الاستثمارية وتطوير قطاع النفط اليمني بشكل عام.
(4) إزالة كل التعقيدات التي تقف أمام تطوير الاقتصاد اليمني، ومواجهة الفساد والمحسوبية اللذان يخترقان واقع الدولة اليمنية وسلطاتها السياسية والحكومية والبرلمانية.
(5) تفعيل الرقابة المحلية والدولية على دور الحكومة اليمنية، والضغط نحو إعادة ممارسة الحكومة اليمنية دورًا شفافا في المجال الاقتصادي والأنشطة والاجراءات الحكومية، وتعاطيها في القطاع المالي والاقتصادي ومدى توفير الاحتياجات الغذائية للسكان.
(6) منع ايراد مبيعات النفط اليمني من العملة الصعبة، ووضعها في البنوك الخارجية، وضرورة تحويلها للبنك المركزي اليمني، ومنع التحكم بتلك المبيعات أو انفاقها بطريقة غير قانونية.
(7) ضرورة الضغط على التحالف المتمثل بالسعودية والإمارات ومن معهما، في عدم فرض تحكمه بالواقع السياسي الاقتصادي اليمني، وإيقاف دورهم في منع الحكومة اليمنية من القيام بأي اصلاحات اقتصادية، وقيام التحالف في إحداث أي إصلاحات سياسية في داخل المجلس الرئاسي والحكومة اليمنية، مع زيادة سيطرة الدولتان على الواقع السياسي والاقتصادي والمالي في اليمن.
(8) ضرورة تعزيز عمل المؤسسات الرقابية في الدولة، وكبح سيطرة أطراف تواجه سيطرة الدولة على الواقع المالي والإيرادي، لتمارس نشاطا موازي للسلطة وفق أجندة سياسية مما يؤدي إلى ضياع الايرادات والأموال.
(9) ضرورة وضع رؤية سياسية واقتصادية، تعمل على تحديد الأولويات الاقتصادية والمالية، للمساعدة في تعزير نهج الدولة، للتحكم في الواقع الاقتصادي.
(10) حماية مصالح الدولة، وتطوير القطاعات النفطية، وانشاء وتأهيل الموانئ اليمنية مما قد ينعكس إيجابًا على واقع الاقتصاد اليمني.
(11) غياب المؤسسات وانهيار منظومة الرقابة، ساعد على تفشي إهدار المال العام والفساد والتلاعب بالأموال، وكذلك عقد صفقات تدمير المصالح اليمنية الاقتصادية والمالية والنفطية، ومن المفترض إعادة العمل المؤسسي والقانوني لإنهاء هذا الانقسام والقضاء على الفساد.
(12) عملت الحرب على تقسيم اليمن بين مراكز قوى متعددة، في التمويل والمصالح والسياسات، وهذا خلق نهب واسع للإمكانيات والموارد والثروات، ومن الصعب إنهاء هذا الوضع مالم تنتهي الحرب ويتم التخلص من هذه القوى.
(13) تحرير القرار السياسي والاقتصادي، من التأثيرات والضغوط الاقليمية، لأن ذلك ساهم في إضعاف واقع المؤسسات وساعد على تنامي الفساد والفاسدين.