ثورة 26 سبتمبر والدور العربي المصري

د/ طه حسين الهمداني
لم تربط اليمن علاقات بدولة خارجية بدرجة من العمق والتداخل والتأثير مثلما كانت مع جمهورية مصر العربية خصوصًا مع انبثاق ثورة ٢٦ سبتمبر الخالدة التي كان لمصر عبد الناصر والجيش المصري البطل دورًا بارزًا في نجاحها ودعمها بالرجال والعتاد مما أدى إلى سقوط الملكية، وانتقل اليمن إلى مرحلة جديدة بعد عقود من الجهل والتخلف والضياع.
إن الدور الذي اضطلعت به مصر بقيادة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر أسس ليمن جديد وبنية اجتماعية خالية من الكهنوت ومن الدجل والشعوذة والخرافة والجهل والطائفية والتميز الطبقي، الأمر الذي انتج توأمة عجيبة بين البلدين الشقيقين تجسدت بتلك التضحيات والمواقف من خلال تدفق خبراء التربية والتعليم ومتخصصين في مجالات أخرى أسهمت في النهوض بالتنمية والانفتاح على العالم الخارجي بعد تغييب وعزلة تامة.
كما امتدت العلاقات بصورة مضطردة حتى يومنا هذا عبر تعاقب الأنظمة في البلدين والرؤساء حتى رحيل الزعيم علي عبدالله صالح عن الحكم والحياة.
اليوم يأخذ المشهد السياسي والعلاقات بين البلدين منعطفًا مختلفا نتيجة للحرب الدائرة في اليمن وانقلاب المليشيا على النظام أواخر العام 2014م لكن روابط الدم واللغة والقومية ما تزال تشكل الحلقة الأقوى والحبل المتين بين البلدين، رغم تعمد المليشيا إغلاق البلد عن العالم إلا بما يتوافق مع مشروعها الإمامي الذي دحرته القوى الثورية بمساعدة الجيش المصري وأنقذت اليمن من أسوأ حقبة، وحكم أغرق اليمن واليمنيين لعقود وسط الظلام والأمية والجهل والفقر المدقع.
إن المتابع لمسار هذه العلاقة الصميمية يرى عمق تاريخي وثبات متواصل تزامن مع مواجهة كل المتغيرات والتحديات، وكانت هناك مشتركات كالجيبولتيكية وتكامل المنافع الاستراتيجية والسياسية مع الموقع الجغرافي لكلا البلدين.
أضف إلى ذلك تطور آفاق العلاقة ورسوخها في جميع المجالات الاقتصادية والثقافية والتعليمية، وإن استعراض دور البعثات التعليمية المصرية في اليمن يؤكد أن لها تأثير كبير في تعميق التواصل والتمازج بين الشعبين الشقيقين.
واستمرت تلك التوأمة والأخوة الناصعة من خلال ثبات الموقف المصري في دعم وحدة اليمن، والحفاظ على سيادته واستقلاله، ومساندة ودعم الشرعية، والانخراط في التحالف العربي، ودعم المبادرة الخليجية والقرارات الأممية ذات الصلة.
كما شكل احتضان مصر الدولة والشعب الأصيل الكريم للمهجَّرين اليمنيين بسبب تداعيات الحرب الأخيرة وتقديم لهم التسهيلات الأخوية الصادقة واعتبرتهم ضيوف في بلدهم الثاني؛ فهي ميزة تعكس روح الإخاء بين الشعبين الشقيقين على مدار عقود طويلة.
ولعل خلاصة القول أن علاقة البلدين تعكس نموذج متفرد ثابت وسند تاريخي ممزوج بأواصر القربى والدم والعلم والمعرفة منذ فجر الإسلام حتى الجمهورية، وعلى نطاق واسع مليء بالألفة والمشتركات التي تشكل عمق تاريخي، ليبقى الشعبين عبر هذه العقود المتوالية بعيدًا عن أي قطيعة، وكأن جذورهما نبتت من جغرافيا وتربة واحدة يغذيهما نبع واحد ومصير واحد كذلك.
وفي النهاية فإن أي مراقب أو متابع لمسيرة هذه العلاقات يلمس بوضوح تام أن هذه العلاقات وعلى مر الزمان اتسمت بالثبات والاستقرار والصمود أمام متغيرات المنطقة بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة، بسبب أن لها حاضنة شعبية عمودية وافقية تمتد من قمة الهرم السياسي إلى وجدان الشعبين المصري واليمني اللذين ارتبطا بوشائج من المحبة، وأواصر الأخوة والتفاعل والتفهم، وهنا لا بد لي أن أجدد الثناء والتقدير لمواقف القيادة السياسية لشعب مصر، وعلى رأسها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي على المواقف النبيلة نحو الشعب اليمني وتطلعاته نحو استعادة دولته ووحدته، وأن يعيش هذا الشعب المفجوع بالحرب والصراع آمنا مستقرا بعز وكرامة.