دراسات وأبحاث

“هبسورا” منظومات الذكاء الاصطناعي في الحروب

يعد الذكاء الاصطناعي مصطلحًا واسعًا يشير إلى قدرة الآلات أو البرامج على أداء المهام التي تتطلب عادة الذكاء البشرى مثل الإدراك والاستدلال والتعلم واتخاذ القرار وحل المشكلات، ويمتلك الذكاء الاصطناعي العديد من التطبيقات والآثار المترتبة على الحرب الحديثة، سواء داخل ساحة المعركة أو خارجها.

هبسورا: قصف بالخوارزميات!

وفقا لعدد من التقارير المنشورة في صحيفة الجارديان، تستخدم إسرائيل نظامًا قائمًا على الذكاء الاصطناعي يسمى “هبسورا” הבשורה الإسرائيلي –يقابله باللغة العربية “البشرى أو البشارة أو الإنجيل” –  لتحديد أهداف ضرباتها الجوية على “غزة”، وتحديد أولوياتها الدفاعية، وتعد “هبسورا” منصة جمع وتحليل للبيانات من مصادر مختلفة، بما في ذلك صور الأقمار الصناعية، ولقطات الطائرات بدون طيار، والذكاء البشرى، ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.

يضع نظام “هبسورا” درجة لتحديد كل هدف، كما أنه يحدد أهمية الهدف والمخاطر والأضرار التي يمكن أن تحدث إذا قررت إسرائيل ضرب هذا الهدف، ويرسل القائمة إلى القادة الإسرائيليين للموافقة عليها وتنفيذها؛ حيث يقوم النظام بتوليد وإنشاء الأهداف باستخدام طريقة تسمى “الاستدلال الاحتمالي”، وهى سمة أساسية لخوارزميات التعلم الآلي في الأساس، تقوم على تحليل كميات كبيرة من البيانات لتحديد الأنماط، وتعتمد فعالية هذه الخوارزميات إلى حد كبير على جودة وكمية البيانات التي تعالجها، وتستخدم لتقديم تنبؤات أو اقتراحات بناءً على الاحتمالية المولدة.

فإذا كان الفرد يشترك في عدد من الخصائص التي يحددها النظام مع آخرين سبق تصنيفهم كمقاتلين وأعداء محتملين، فقد يصنف النظام هذا الفرد أيضًا على أنه مقاتل، ويدرجه ضمن الأهداف المحتملة، ولذلك يعتمد النظام على الاحتمالات المشتركة وفق المعلومات المتاحة وليس على اليقين.

تداعيات وتحديات استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب:

يؤثر استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب أيضًا على العلاقات الدولية والدبلوماسية، من حيث إنه يضيف موضوعات جديدة على جدول أعمال الأجندة الدولية مثل: الآثار الأخلاقية والقانونية والاجتماعية للذكاء الاصطناعي، وتطوير معايير وقواعد الذكاء الاصطناعي، وحوكمة وتنظيم استخدامات الذكاء الاصطناعي في الحرب والصراعات الدولية بشكل عام.

وتتطلب هذه المواضيع تعاونا وحوارا متعدد الأطراف بين مختلف أصحاب المصلحة مثل الحكومات، والمنظمات الدولية، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص.

كما تعد منظومات الذكاء الاصطناعي بمنزلة أداة جديدة للدبلوماسيين والمفاوضين؛ حيث يمكن أن يساعد على جمع البيانات وتحليلها، وتوفير دعم القرار، وصياغة الوثائق وترجمتها، وتسهيل التواصل والتعاون، كما يمكنها أيضًا المشاركة في عمليات مراقبة التنفيذ والالتزام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وتقييم التقدم المحرز مثل اتفاق باريس بشأن تغير المناخ، أو الاتفاق النووي الإيراني.

وفيما يتعلق بتداعيات المنظومة الإسرائيلية، فقد واجهت إسرائيل انتقادات وتشككا ومخاوف واسعة بشأن استخدامها منظومة الذكاء الاصطناعي، على الرغم مما قدمته إسرائيل من تبريرات أهمها أن المنظومة تستهدف تقليل الخسائر في صفوف المدنيين، ويمكن عرض أبرز الانتقادات والمخاوف في النقاط التالية:

– غياب الشفافية والمساءلة عن منظومة “هبسورا” وخوارزمياته بالكامل وما يترتب على استخدامها من نتائج، فليس هناك تحديد واضح لكيفية جمع المنظومة للبيانات والتحقق منها ومعالجتها، وكيفية ترتيب الأهداف وتحديد النتيجة النهائية للاستهداف، كما لا توجد رقابة أو مراجعة مستقلة على قرارات منظومة “هبسورا” وأفعالها.

– احتمالية كبيرة لوجود أخطاء وتحيزات في البيانات والخوارزميات، فقد تكون مصادر البيانات التي يستخدمها “هبسورا” غير كاملة أو غير دقيقة أو قديمة، وقد يكون للخوارزميات تحيزات متأصلة أو مكتسبة تؤثر في أحكامها، على سبيل المثال، قد تعتمد “هبسورا” على منشورات خاطئة أو مضللة على وسائل التواصل الاجتماعي، أو قد تفضل أنواعًا معينة من الأهداف على أخرى بناء على البيانات التي تتلقاها.

– الآثار الأخلاقية والقانونية لتفويض القرارات البشرية إلى الآلات، فاستخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب يثير تساؤلات حول المسئولية الأخلاقية والقانونية للمشغلين والقادة البشر، ومدى احترام مبادئ القانون الدولي الإنساني، مثل التمييز والتناسب، والاحتياط.. على سبيل المثال، من المسؤول إذا أخطأ منظومة “هبسورا” أو تسبب في ضرر مفرط؟ كيف يمكن لإسرائيل أن تضمن احترم حقوق وكرامة المدنيين في غزة؟ كيف يمكن التحقق من أن الأهداف مشروعة ومتناسبة مع التهديد؟

مصنع للاغتيالات الجماعية

أتاحت الحرب الأخيرة على غزة، فرصة غير مسبوقة أمام إسرائيل لاستخدام وتطوير مثل هذه الأدوات في مسرح عمليات أوسع بكثير، فوفقا لما أعلنه جيش الدفاع الإسرائيلي في أوائل نوفمبر الماضي، خلال الأيام الـ 35 الأولى من الحرب، فقد هاجمت المنظومة 15 ألف هدف في غزة، وهو رقم أعلى بكثير من العمليات العسكرية السابقة في المنطقة الساحلية المكتظة بالسكان مقارنة مع حرب عام 2014م، التي استمرت 51 يوما، التي استهدفت فيها إسرائيل بين 5000 إلى 6000 هدف، وهذا يظهر ما قدمته المنظومة الجديدة من تسريع لوتيرة ومعدل وحجم الاستهداف من 50 هدفا سنويا إلى ما يقارب 100 هدف في اليوم الواحد.

وقد واجهت المنظومة في الحرب أيضًا بعض المعارضة والمقاومة، مثل:

– منظمات حقوق الإنسان والناشطين مثل منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، الذين وثقوا وأدانوا انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي التي ارتكبها جيش الدفاع الإسرائيلي في غزة، ودعوا إلى إجراء تحقيق ومحاسبة المسئولين عن هذه الانتهاكات واستخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب.

– عدد من الهيئات الدولية والحكومات، مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية والإسلامية، التي أعربت عن قلقها وإدانتها لهجمات جيش الدفاع الإسرائيلي على غزة، وحثت على وقف إطلاق النار والحل السلمي للصراع.

– بعض المواطنين والجماعات الإسرائيلية، مثل دعاة يقظة الضمير الإنساني، ونشطاء السلام، وبعض الصحفيين الذين عارضوا واحتجوا على العمليات العسكرية لجيش الدفاع الإسرائيلي في غزة، وشككوا في أخلاقية ومشروعية استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب.

اتصالا بما سبق، فقد عبر الباحث “ريتشارد مويس”، عضو “منظمة المادة 36″، وهي مجموعة تقوم بحملات للحد من الأضرار الناجمة عن أسلحة المنظومة “هبسورا” الإسرائيلية، عن معارضته للمنظومة، قائلا: “انظر إلى المشهد المادي في غزة، إننا نشهد تسوية واسعة النطاق لمنطقة حضرية بالأسلحة المتفجرة الثقيلة، لذا فإن الادعاء بوجود دقة وضيق في استخدام القوة لا تدعمه أي حقائق واقعية”.

ختامًا، يشكك الخبراء المتخصصون في مجالات الذكاء الاصطناعي والنزاعات المسلحة في التأكيدات المستمرة التي تصدرها بعض الحكومات على أن الأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي قد تقلل من الضرر الذي يلحق بالمدنيين عبر تشجيع الاستهداف الأكثر دقة.. ونظرًا لأن الذكاء الاصطناعي يعد تقنية جديدة لها آثار كبيرة في سير العمليات الحربية ونتائجها، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب قضية مُعقدة وحساسة تنطوي على العديد من التحديات؛ على رأسها خلق تهديدات جديدة للأمن القومي والاستقرار الإقليمي والدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى