كتابات وآراء

عيد الأضحى في يمن الإيمان

المناسبات الدينية المتفق عليها: لها أثر روحاني كبير في الأمة بشكل عام وخاصة اليمن؛ وتكمن الخصوصية في شعب لانت قلوب أبنائه ورقت أفئدتهم من فجر الدين الخاتم؛ حيث آمنوا برسالة خطية من نبي الهدى والرحمة، والتي كانت بمثابة الغيث على أرض خصبة لها قابلية الارتباط الوثيق بملك الملوك، وشغف كبير لتجديد العلاقة بالسماء وصقلها عبر شرعة حكيمة تضمنت المساواة والعدل والشورى كمنهج حياة يربط الأمة ببعضها دون “تمييز ولا عنصرية ولا طبقية” مقيتة.

عيدا الفطر والأضحى المباركان وحدهما هدية الله بعد إتمام ركنين عظيمين من أركان الدين هما الصيام والحج؛ فحقّ لأهل الله وخير خلقه العابدين أن يحتفوا بهما، ويمارسوا فيهما أنواع الصلات والقربات إتمامًا للطاعات، مع الابتهاج والأفراح والسعادة والإسعاد في علاقة إيجابية صعبة التوصيف ببيئة التعبد بين الروح والمادة والعابد والمعبود؛ ما أحيلاها وما ألذها لمن أخلص وصدق في أداء ما أمر الله واجتنب ما نهى عنه.

يحل عيد الأضحى المبارك اليوم والشعب يتنفس الصعداء بعد ضيق وحصار من أبناء جلدته الذين أغواهم الشيطان، وسلكوا سبيل الغي وكفران النعم، فمنعوا الماعون وقطعوا الطريق وارتكبوا جرائم الحرابة ومارسوا الظلم والاضطهاد والقتل والتخريب والدمار.. تولد الأمل للشعب بعد أن فتحت بعض الطرقات التي قطعها الظلمة والمخربين؛ وتحصلت السعادة والفرح جراء اختصار المسافات وجريان الدم في شرايين الوطن التي جلّطها بقايا الإمامة وعناصر الدجل والإرهاب وعصابات الفساد والإفساد.

فتح الطرق حقٌ مثلما أن الله حق؛ فليست مكرمة من أحد؛ بل قطعها جريمة جسيمة شنعاء يعاقب عليها الشرع والقانون أقسى العقوبات؛ ولن ينسى الشعب من ارتكب حماقات قطعها وسيحاسبه يومًا ما؛ باعتبار أنها جريمة لا تسقط بالتقادم؛ وبالأخص ما صاحبها من سفك للدماء واستهداف للأطفال والنساء والمدنيين وانتهاك وسلب للحقوق والأملاك الخاصة والعامة.

الشعب اليمني من أقصاه إلى أقصاه يطالب اليوم وينشد العودة إلى ما قبل نكبة “الربيع العربي المشؤوم الذي أنتج العصابات المسلحة والمليشيات المتلونة، ودمر منجزات الشعب، وأوقف التنمية الشاملة؛ ونكل مقومات الحياة، وأعاد الشعب والوطن عقودا؛ بل قرونا للوراء”.. يفرح الشعب اليوم، ويعتبر العيد عيدين لأنه عانق جزءه الذي فصل منه وتباعد عنه بفتح الطريق التي لم تقطعها أمريكا ولا إسرائيل؛ بل عصابات الدجل الديني والخيانات الوطنية، بدليل أن من فتحوها كانوا يمنيين وليسوا من خارج الحدود.

وكم سيفرح الشعب وينتعش عند تفعيل الدستور والقانون بشكل عام، ويلتم شتاته ويعود النازحين لمساقط رؤوسهم واللاجئين لبيوتهم وعشيرتهم، والمقصيين لوظائفهم، وتنتهي المظاهر المسلحة؛ وتبنى الدولة بسلطاتها عبر صناديق الاقتراع، وتنتهي العنصرية والمناطقية والطائفية، ويعم الأمن والسلام ربوع الوطن، ويتوب كل من ارتكب الجرائم بحق الشعب ويعالج ما تسبب به من أضرار مادية ونفسية وبشرية، وتنشأ هيئات لمعالجة الجرحى ورعاية أسر الشهداء والمفقودين، وتُنظّف السجون والمعتقلات من الأبرياء، ويعود الجميع للرشد والصواب وتحكيم الشرع والعرف والقانون بدون محسوبية ولا محاصصة ولا تمييز.

عيد الأضحى حلّ ونصف الشعب إن لم يكن ثلثيه لا يملك أضحية ولا ملابس العيد أو جعالته، يجامل من حوله بابتسامة هزيلة ضعيفة موجوعة؛ بسبب الفقر والمعاناة وانتشار المظالم واستئساد الكلاب الشاردة والذئاب الطريدة والطواهش المسعورة والثعالب المتربصة.. لأن المناسبة متصلة بدين الله يفرح بها الشعب الغني والفقير لأجل الله فقط، مع مد يد الضراعة له ورفع شكوى الضيق والضنك إليه والدعاء على الطغاة والبغاة والفاسدين.

يفرح الشعب ويمارس طقوس العيد لأنه واثق بالله الجبار المنتقم، يُراعي بعضه البعض، ويرفعُ العتب والملام عن التقصير، يُفعّل ما أمكن مبدأ التكافل والتراحم؛ يعيش بلسان حال يردد بيت شعر روحاني للجيلاني مضمونه: إن أبطأت غارة الأرحام وابتعدت فأقرب الشيء منا غارة الله؛ يا غارة الله جدي السير مسرعة في حل عقدتنا يا غارة الله.

عيد سعيد مبارك على كل حال، وكل عام والشعب والوطن بألف خير وصحة وعافية ونماء وتعايش وتكامل وسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى