افتتاحية العدد ٩٥ من صحيفة التصحيح.. بقلم أ/ عمر الشلح، رئيس التحرير
كمعطيات لا شك بأن اليمن ليست بمعزل عن المجتمع الإقليمي والأسرة الدولية، ولا ريب بأن الموقع الجغرافي والبعد الحضاري والتفاعلات الجارية تجعل اليمن عاملا مؤثرًا في الجزيرة العربية والشرق الأوسط، وتؤكد بأنه رقمًا لا يمكن تجاوزه في أي طاولة تناقش السياسة الدولية بأي نية كانت.. وعندما نريد أن نفهم حقيقة المجريات والوقائع الحالية يجب ألا نغفل ما صرح به برنارد لويس القائل: “لتحقيق الشرق الأوسط الجديد، لابد من السيطرة على منابع النفط واستمرار تدفقه، وافتعال الأزمات بين الدول وتفجيرها من الداخل، خصوصًا الدول ذات الإمكانيات الاقتصادية والبشرية الكبيرة، وذلك لتحجيم أدوارها، وتأجيج الصراع فيما بينها لضمان بيع الأسلحة بشكل واسع للمنطقة”.
فبالنظر للواقع اليمني يجد الباحث آليات ووسائل استغلال الجماعات الدينية بمختلف مشاربها وبعض القيادات والقوى السياسية غير الواعية، وكيفية دفعها لزعزعة الأمن والاستقرار والانقلاب على النظام والديمقراطية، والانقضاض على مؤسسات الدولة ومواردها، وتدمير مظاهر ومكتسبات الثورة السبتمبرية الأكتوبرية ومنجزات الوحدة؛ بجانب القوى اليسارية المتشبعة بثقافة الموت والحقد والكراهية ونزوات التشظي والتشطير… حينها يتأمل تأثير تصريحات لويس ونظرائه من مفكري القوى الامبريالية الاستعمارية الجديدة في واقع العالم وشعوبنا العربية عامة وبلادنا بشكل خاص..
فالحوثيين والإخوان والقاعدة وأخواتها والانفصاليين وكل من أثار الفوضى وأضر بالشعب وحمل السلاح ضد الدولة وعطل الحياة السياسية، وعرقل مسيرة التنمية، وانقلب على إرادة الشعب وخياراته؛ كلهم آلات ووسائل تخريب، وأدوات للقوى الاستعمارية الجديدة؛ خصوصًا وأن اليمن كانت تمر بمراحل متقدمة وواعدة بالتنمية الشاملة والمستدامة، وتملك قاعدة مؤسسية ضخمة في كل مجالات الحياة، وتسعى قيادتها الرشيدة بحكمة لاستثمار الموارد بشكل أفضل لمواكبة التقدم العالمي التقني والتكنولوجي والعلمي لمزيد من البناء والريادة والتنمية والاستقرار والتعايش الفاعل المنتج بمبادئ وقيم سليمة واعية دفعت لأجلها قوافل الشهداء وما تم تحصيلها إلا بعد جهد وعناء عقود من الزمن.
هنا يجب على كل المواطنين مراجعة الواقع، والمقارنة بين الشعارات والممارسة، وتحكيم العقل للبحث عما ينفع، وتجنب الضرر من خلال الابتعاد عن الأدوات التخريبية والجماعات التدميرية التي استُخدِمت لتدمير منظومة الدولة، وجَلبت الخراب وصَنعت الدمار، وهتفت بالموت في الوقت الذي يتوق فيه الشعب للحياة والحرية والكرامة والأمن والاستقرار والخدمات والتنمية.
فالمخرج الأول هو الابتعاد عن تلك القوى التخريبية وعدم الانصياع لها أو الانجرار وراءها؛ ثم البحث عن القيادات الوطنية المجربة التي لم تلطخ يدها بالدم، والالتفاف حولها لبناء السلام بحكمة، فالحكماء يدركون صناعة مقاربات متعددة المستويات تعالج الأسباب الجذرية للصراع وتعزز الوحدة الوطنية، وتحيي روح الديمقراطية، وتمارس فعلا التبادل السلمي للسلطة بإطار مشروع، وسلوك منضبط بالدستور والقانون الذي يحكم الجميع بدون تمييز ولا محسوبية أو كيل بمعيارين.
المخرج الثاني: إدراك أن الحل لا يأتي من الخارج مطلقًا، وإن كانت هناك حاجات ففي إطار منضبط يحفظ السيادة الوطنية ويصون القرار الوطني ولا يتجاوز حد الندية- بمعنى يقبل المعاملة بالمثل تمامًا- ويعطي الجورة والإخاء حقها ويحترم الخصوصية مع تقدير الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات الدولية التي لها معيار واحد عادل- صادر ووارد-؛ ثم الدفع بالكفاءات والخبراء للواجهة بقصد تشكيل لجان متخصصة لتشخيص واقتراح علاج كل المشكلات الوطنية ابتداء من الأهم قبل المهم والأَولى فالأقل أولوية، ووضع اللبنات العملية الأولى قبل انفضاض المجالس؛ ليلمس الشعب أفعال لا أقوال، وينال خدمة لا استخدام.
وأجزم يقينًا بأن اليمن وطنٌ معطاء مليء بالكوادر والخبراء والعقلاء والحكماء والوعاة، غيبهم الإقصاء، والفقر، وقصر ذات اليد، وتصدُّر الحمقى وقليلي الحياء والمغفلين والأدوات والرخاص الذين انبطحوا لإملاءات الخارج وتناسوا استحقاقات الشعب والوطن.. فالواقع يلزم النبلاء التحرك لأن الأمر قد خرج من الفرض الكفائي للعيني، والساكت اليوم آثم ومشارك بصمته فيما يجري من ظلم وخراب، هناك قنوات للتواصل بين الشرفاء سيجدوها لو وجدت الإرادة وصدقت العزيمة وثبت الانتماء لليمن واليمن فقط.. والله من وراء القصد.