كتابات وآراء

عجوز أجنبي يشعل نار الحقيقة والبحث

افتتاحية العدد ٨٣ من صحيفة التصحيح

بقلم: أ/ عمر الشلح، رئيس التحرير.

بلغة عربية فصحى وبلكنة ركيكة تنم عن أعجمية صاحبها، وبصوت خافت وهادئ واثق ومرتب، وبأسلوب الأكاديمي المتمكن يتحدث معنا عجوز في الثمانين من عمره؛ يظهر عليه بقايا جسم رياضي بعضلات ضامرة وطول فارع وعيون زرقاء وآثار وسامة عتيقة ونظرات ثاقبة؛ يرتدي بدلة صيفية أنيقة ومتناسقة، وعلى رأسه قبعة رمادية عليها نظارة شمسية، بعد أن سمعنا نتبادل الحديث عن مستجدات الواقع المرير.. طلب منا إذن مشاركة الجلوس على طاولتنا والحديث معنا؛ وبدون مقدمات تنحنح وقال: سمعتكم وأريد أن أنقل لكم معرفتي إن قبلتم، وأخضعوها للبحث والدراسة.

رحبنا به بتوجس وشغف فضولي لما عنده؛ فقال: “أثبتت الأيام بأن هناك سلطات علنية بلا قرار ولا مسؤولية ولا وعي، وسلطة خفية كونية تصنع وتتخذ القرارات بانفراد ووقاحة فجة ونتائج مكشوفة، لها وجه يتمثل بالأمم المتحدة التي مهمتها التعبير عن القلق وجمع المعلومات والبيانات وصياغة التقارير وتنفيذ بعض المهام الدولية بمعايير مزدوجة، ولها عاصمة في قلب الوطن العربي على أرض فلسطين بمسمى “الكيان الصهيوني/إسرائيل”.

أبحاث منهجية علمية كشفت بأن كل الجماعات الإرهابية من مختلف الديانات تقف وراءها أجهزة تابعة لهذه الحكومة الشيطانية التي تهيئ لدولة الدجال المنتظر، وتستخدم كل الإمكانات العلمية والتكنولوجية والماورائيات لتنفيذ خططها الإستراتيجية والعميقة؛ أبرزها بالنسبة للعالم العربي “الإخوان والقاعدة وداعش والحوثية وأمل والحشد” وتفرعاتها المدعومة من قطبي الشيعة والسنة اللذان لا يخفيان على باحث ولا أمي، ولا صلة حقيقية لهما بالتدين.

الكيان الصهيوني يمشي بخطين متوازيين أحدهما التطبيع مع الحكومات والآخر التفتيت المجتمعي الواسع والاستهداف العسكري المباشر؛ إذ يرى المتابع بأنها ساندت فوضى الربيع المتزامن مع قصف سوريا منذ أكثر من عشر سنوات دون رد، ولبنان والعراق وليبيا وأخيرًا اليمن بطلعات نوعية ومركزة على أهداف حيوية بالغة الأهمية، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد؛ بل اشترت كثير من الذمم، وجندت خبراء من كبريات مؤسسات جمهورية وملكية وأمراء من أعلى هرم السلطات، وقيدتهم بقيود غير مرئية وإغراءات، وهددت بهم عروش وأنظمة ودول، ولوت أذرع الكثير ضمانًا لتحقيق مآربها التي تسري ببطء متسارع.

وللتأكيد ابحثوا عمّن يملك الشركات التقنية الكبرى، والأقمار الصناعية، والشركات متعددة الجنسيات “العابرة فوق الدول”، وكبرى المنظمات الدولية، وحتى البنك الدولي وصندوق النقد، ومن يدير الاقتصاد والبورصة ويقنن تجارة الذهب الأحمر والأسود والمخدرات والأعضاء واللحوم البيضاء، ومن يتحكم بالأنترنت خصوصًا “الديب ويب” والعملات الرقمية والتطبيقات المعاملاتية والتواصلية والإعلام القديم والحديث، ومراكز الأبحاث البيولوجية والدراسات الاستراتيجية.

الدوائر تدور حاليًا على مصر وبعدها بقية المثلث السني؛ بالتزامن مع زعزعة روابط مجتمعات الدول المغاربية كخطوة تالية، أما دول الخليج فقاب قوسين أو أدنى.. تطورت الحروب ولم تعد تسلك المعارك التقليدية المعروفة تأريخيًا، ولا تنطبق عليها النظريات البائدة والفرضيات المتهالكة؛ حتى لو أعاد التأريخ نفسه لكن الوسائل اليوم مختلفة تمامًا؛ غير عادية وغير متوقعة من العرب المهوسين بالاسترخاء واللهو والتقليد الأعمى للامبرياليتين، وبنفس الأهداف القديمة المطورة”.

تحدث بعمق شديد وذكر تفاصيل نعرف بعضها ولا نعرف أكثرها؛ وحدد أسماء وتكوينات ومنظمات سرية وأخرى علنية، ونحن ننصت في صمت مطبق لا ننبس ببنت شفة؛ قاطعناه بعد أن شحب صوته: “مع كل ما ذكرت؛ ما الحلول التي يجب أن يتخذها العرب من وجهة نظرك لتجاوز هذه الفوضى والمؤامرات العجيبة؟”

قال بعد دقيقة استرخاء وتنهد: الحل أولا باستقلالية القرار بين الفرقاء دون استشارات السفارات وعدم الاتكاء على الأمم المتحدة؛ وخلق كادر عربي من كبار العلماء الموثوقين البعيدين عن دائرة الضوء، وفتح آفاق حوار حقيقي شامل “وصف وتشخيص وتحليل وربط وعلاج فوري” متزامن مع وقف تام لتدفق الدم، وتجريم الاحتراب الداخلي والبيني، ومحاكمة فورية لكل من يتجدد منه الاعتداء.

العرب يملكون حضارة كبرى وتجارب أكبر وقانون سماوي، وهم من أصل واحد ولديهم قبلة واحدة ومصيرهم واحد؛ يجب أن يتخلوا عن أنانيتهم ويقبلوا بعضهم ويتعايشوا، ويفتحوا صفحات بناء وتماسك جديدة على أسس منطقية عادلة تضمن مصالح الجميع، وتؤسس لشراكة في المسؤوليات الخدمية قبل نيل الامتيازات، مع التخلص من الولاءات الخارجية والتبعيات.. تمسكوا بالحياد الإيجابي وتجنبوا صراع القوى العظمى وكونوا على يقين؛ ستحموا أوطانكم وشعوبكم، وسيرضخ لكم الغير يومًا ما ويأتوكم صاغرين”….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى