عندما يتحول الأطفال إلى ضحايا

أ/ عمر الشلح.. رئيس التحرير.. افتتاحية العدد ٧٧
لأن أطفال اليوم هم رجال ونساء الغد؛ فصورة المستقبل تكمن في إعداد الطفولة من الناحية النفسية والعلمية والمعرفية والعقلية والبدنية لغد مشرق، كما أن الواجبات الدينية والعرفية والإنسانية تقتضي من الجميع التكاتف لحماية الطفولة من كل الظواهر السلبية، والأيديولوجيات السوداء، والثقافات الدخيلة المنحطة والمخيفة فكريًا وعقديًا، ومن المحتم واللازم “حاجة وضرورة ومقصد” ألاّ ندع للكيانات المتطرفة مجالا أن تحوّل أبناءنا وبناتنا إلى ضحايا الهوس والنرجسية والأوهام والتطرف والإرهاب والانحراف عن طريق “الإنسانية والأخلاق والتدين الوسطي المعتدل الذي يريده الله وتقصده الشرائع”.
بناء مستقبل مشرق يعتمد على تطوير الأجيال وتهيئتها لمواجهة التحديات؛ ابتداءً من التعليم النظيف؛ فالتعليم السليم أساسيًا في بناء الأجيال، من خلال نظم تربوية تعزز المعرفة والمهارات، وتحافظ على الهوية، وترتكز على المبادئ والقيم المشروعة، والدين النقي الصافي، والأعراف الإيجابية والأخلاق الإنسانية التي تحفظ لكل إنسان كلياته الخمس “دمه وماله وعرضه ونفسه وعقله” من التشتت والاستغلال والضياع.
ثم بتشجيع التفكير النقدي والإبداع وتنمية القدرات العقلية والمهارات الحياتية التي تضمن أن يكون الطفل والشاب محبًا لمجتمعه ووطنه وأمته؛ منتجًا نافعًا مليء بالخير والتنمية والإنسانية والضمير الحي.. مع رسم سياسات وإجراءات مدروسة بعناية تضمن التعامل السليم والملائم مع التقنية والتكنولوجيا التي أضحت في أولى أولويات اهتمامات البشرية ولا يخلو منها مجال في الحياة، والتي تعد بالأصل نتاجًا عن تفعيل العقول، وثمرةً للتحديث والابتكار والتطوير في استخدام الآلة وتخفيف العبء على كاهل الإنسانية في أغلب المجالات الحيوية.
وللأسف البالغ بات تجنيد الأطفال عصب بناء التنظيمات الإرهابية والمليشيات المنظمة والعصابات المافوية خلال الفترة الماضية، وزادت مساحتها مع دخول الحرب والصراع وفوضى الربيع المشؤوم، وتداعي المجتمع الدولي لمواجهة تلك التنظيمات مما أدى لفقدان العديد من العناصر الإرهابية المتزعمة في مناطق النزاعات بما فيها بلادنا؛ ما دفع القيادات المؤدلجة والقوى الظلامية لاستغلال الأطفال من أجل بناء عمود فقري للتنظيم المسلح، منطلقين من عدة عوامل ساعدت على سهولة الإدماج السريع للمراهقين والفتيان دون وعي بمعاني الإيديولوجية التي ترفعها تلك المليشيات المنظمة، منها اجتماعية بالنظر إلى البيئة الفقيرة، ومنها تتعلق باستغلال أبناء وذوي المقاتلين الذين قضوا في ساحات الحرب والمواجهات.
أثبتت الأيام بأن جرائم التنظيمات الإرهابية تنطوي على أفعال وممارسات عنيفة كالتفجيرات والتدمير والتعذيب والقتل والخطف وطلب الفدية والسيطرة على المرافق الحكومية والمؤسسات، وغيرها من الأعمال الإرهابية الإجرامية التي تُرتكب بواسطة وسائل وأساليب متعددة، إذ تستهدف هذه التنظيماتُ استغلالَ الفئات الضعيفة في المجتمع، ولا سيَّما النساء والأطفال؛ لسهولة التغرير بهم، ويُسر استدراجهم، وقلَّة إدراكهم طبيعة الممارسات الإرهابية، فتسعى هذه التنظيمات المجرمة إلى تجنيد الأطفال على نحو خاص بالترغيب تارةً، وبالترهيب والإكراه تارة أخرى لهم وعائلاتهم؛ من أجل استخدامهم في العمليات الإجرامية، ولا سيَّما في العمليات الانتحارية والقتل والتدمير؛ بل قد يصل الخطب إلى استغلالهم جنسيًّا وجسديًا، والرمي بهم في أتون الحروب والمواجهات العسكرية والصراعات السياسية بصبغة دينية وأخرى وطنية لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية لا علاقة لها بالدين ولا بالوطن.
تسعى المليشيات الحوثية من خلال التعبئة الفكرية المؤدلجة في مراكزها الصيفية إلى استغلال الأطفال للاستفادة منهم في تنفيذ مشروعاتها الهمجية الإمامية السوداء؛ نظرًا لقدرات الأطفال الكبرى على اكتساب المهارات وتلقِّي المعلومات دون اعتراض، ولأنها تجد في عقولهم البريئة مكانًا خصبًا لزرع أفكارها الهدَّامة، وبث سمومها الخبيثة، والتلاعب بعقولهم وتشكيلها وتوجيهها لخدمة الأهداف الإرهابية والمخططات المجرمة والمشاريع غير السوية.
غسل أدمغة الأطفال ومداعبة أحلامهم، وقسوة الظروف الاقتصادية والمعيشية السيئة تجعلهم ضحايا تطيل عمر المليشيات وتحولهم إلى أحد أسلحتها التخريبية المدمرة باعتبارهم ضحايا للمليشيات وجلادين لأهلهم ووطنهم بنفس الوقت؛ فالفقر وتفشي الجهل وقلة التعليم وانتشار الأوبئة والأمراض وغيرها سببتها المليشيات، وهي وحدها من تستفيد منها؛ فتجتذب الأطفال باعتبارهم الحلقة الأضعف في النسيج الاجتماعي؛ وتحولهم قوًى فاعلة في النزاعات المسلحة بعد تدريبهم وغسل وعقولهم.
فهل يعي الآباء والمجتمع ضرورة حماية أولادهم من نير المليشيات وظلمها وسحرها وفكرها الخبيث ونهجها الإرهابي وظلامها الإمامي البغيض؟! إنقاذ الأطفال مهمة المجتمع كله؛ بداية من الأسرة مرورًا بالمدارس والمساجد والجامعات والأندية الرياضية والمراكز البحثية والمعاهد المهنية والإعلام وخطط واستراتيجيات الدولة القومية وانتهاءً بالبرامج الدولية والأممية.