كتابات وآراء

لصوص وتجار حروب: الثالوث المتصادم المتخادم المتقاسم لليمن ..!!

ثمة جولة جديدة لتحريك المياه الآسنة والراكدة في المشهد اليمني الذي يعيش فصلا عبثيا من الانقسام والتقاسم والفساد، في أتون حالة اللا حرب واللا سلم التي تلون المشهد منذ زهاء عامين من الهدنة والمهادنة والتهادن، الذي تلى الفصل الدموي التدميري للحرب الطاحنة التي استمرت نحو سبع سنوات بين الفرقاء المحليين، والذي اتضح أنهم مجرد أدوات ووكلاء لعرابوهم الاقليميين والدوليين، الذين قاد بعضهم تلك الحرب على الشعب اليمني مباشرة؛ فيما اكتفى نظرائهم بالدخول غير المباشر في الصراع التدميري والحرب الدامية التي مزقت اليمن إلى دويلات تحكمها مليشيات مسلحة، يقودها أمراء حرب وتجار صراعات ومقاولي حروب ولصوص أثروا ثراءً فاحشًا بنهب أموال الشعب والدولة ومواردها وإيراداتها في الوقت الذي جاع اليمنيون، وضاع وطنهم وتمزقت عرى وحدتهم المجتمعية، كما تمزقت المبادئ والأخلاق والقيم، وخيم الفقر والجوع والتشرد والنزوح، وازدهر الموت والدمار الذي طال البشر والشجر والحجر.

وغاب الرشد والعقل والايمان والحكمة وأهلها كما غاب المشروع الوطني الكبير لتحضر المشاريع الصغيرة والضيقة التي يقودها الأدوات والوكلاء المرتهنين لأسيادهم الإقليميين والدوليين ومشاريعهم المتصارعة على اليمن وفي اليمن؛ كونها الحلقة الأضعف في الإقليم فأصبح قرار الحرب والسلام مرهون للخارج؛ فيما تحول أطراف الصراع الداخلي المحلي إلى مدمني حروب ولصوص، وتجار أزمات ومتاجرون بأوجاع شعب صيرته صراعاتهم وحروبهم العبثية خارج التاريخ والعصر، ويعاني أكبر أزمة ومأساة إنسانية في العالم وفق الأمم المتحدة، وفشلت جولات المشاورات المتتابعة طوال سنوات الصراع التسع التي شهدت تعاقب أربعة مبعوثين دوليين، ووصلت اليمن للهاوية ومازالت تهوي، ووصفت الحرب بالحرب المنسية لاسيما مع انفجار أزمات وحروب أخرى في أوروبا والشرق الأوسط كالحرب في أوكرانيا وفي غزة مؤخرا.

وعود على بدء وعشية تحرك دولي واقليمي لتحريك الملف اليمني نحو تسوية شاملة بين أطراف الصراع وفرقاء الساحة السياسية اليمنية التي أفرز الصراع والحرب والتدخل الخارجي ثلاثة قوى رئيسية تتحكم بالمشهد وتتقاسمه وهي ثالوث الوباء والبلاء الذي أصاب اليمن (مجلس القيادة الرئاسي- المجلس الانتقالي الجنوبي- جماعة الحوثي ) وهي القوى المسلحة التي لكل منها جيش وسلاح وراعي إقليمي ومشروع محلي يتبع مشروع عرابها الإقليمي وأهدافه ومطامعه، فينعكس الصراع الإقليمي والدولي ومشاريعه التي تتصادم فيها المصالح؛ فيتصادم الثلاثي ويتصارعون في جولات حروب ومعارك ضحاياها الآلاف من شباب اليمن الذي لحق الدمار بأرضه ومقدراته.

وتتوقف تلك الحروب بتفاهم المتصارعين الإقليميين أو بالخطوط الحمراء الذي يرسمها اللاعب الدولي لكل معركة ولكل طرف، ومن التصادم إلى التقاسم الذي أوجد ثلاث حكومات وثلاثة رؤساء، وكون الحرب والصراع يخدم أمراء الحرب وتجاره من قيادات تلك الأطراف التي تجبرها مصالحها على التخادم فيما بينها لاستمرار الفيد والنهب والفساد والإثراء دون حسيب أو رقيب؛ وعلى حساب الشعب اليمني المغلوب على أمره.

فيصبح السلام واستعادة الدولة وسيادة القانون والمحاسبة وعودة الأمن والاستقرار التي يطالب بها السواد الأعظم من اليمنيين تمثل مشكلة لأطراف الصراع، وأمراء الحرب الذين يقتاتون من استمرار الأزمة واتساع رقعة الحرب والصراع؛ الذي لا يريدون له نهاية، ولن يكونوا جادين في السير نحو الاتفاق والحلول؛ كما لن يقدموا التنازلات الوطنية من أجل الوطن والمواطن والسلام والأمن والاستقرار؛ لأنهم يرونها تمس مصالحهم الضيقة ومشاريعهم الصغيرة.

وختامًا فإن فاقد الشيء لا يعطيه؛ وثالوث القوى المتحكمة بالمشهد اليوم تعمل كلا على حدة لمصالح قياداتها الفاسدة ومشاريعهم الصغيرة مهما حاولوا التمترس والتلطي خلف المشروع الوطني الكبير، فمجلس القيادة الرئاسي الذي يخضع رئيسه وأعضائه لنفوذ وهيمنة السفير السعودي / محمد الـ جابر؛ الوصي على المجلس وقراراته هو مجلس عاجز؛ قراره في الرياض؛ بل إن أعضاءه وحكومتهم المقيمة في فنادق الرياض؛ والمتباين أهداف شركاء المجلس والحكومة التي فاحت روائح فسادها وعبثها الذي يرعاه السفير السعودي لن تسعى للسلام لأنها ارتضت العيش في الرياض واستحلت وصاية السفير ولي نعمتها؛ ولا كرامة لكل خدام الأجانب.

أما المجلس الانتقالي المشارك في القيادة الرئاسي وحكومته الشرعية فهو الآخر يحمل مشروعا انفصاليا من داخل الحكومة الشرعية، ويمارس أبشع صور الفساد والعبث في عدن والمحافظات المجاورة، ويرفع علما انفصاليا ويهين علم الدولة وشعاراتها الوحدوية، ويتجاوز الدستور والقانون ويعلن ولائه لأبوظبي وحكام دولة الامارات التي تشرف على المجلس وقواته ومسلحيه، وهي الآمر الناهي، والمتحكم بالمجلس الانتقالي وتحالفاته وحروبه ومعاركه.

أما ثالثة الأثافي في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثي وجماعته بمشروع طائفي مذهبي ينقلب على النظام الجمهوري والدستور والقانون وبعقلية القرون الوسطى يمارس الفساد ويخوض الحروب والتعبئات لمعارك مشروع إقليمي يتبع طهران وضاحية بيروت الجنوبية؛ وكون هذه الجماعة تسيطر على العاصمة ومعظم المحافظات التي لا رواتب فيها؛ فقد وظفت الجماعة دولة موازية مدنية وعسكرية من أنصارها بمعايير الولاء الأعمى؛ لتنفق عليهم ما تجبيه من إيرادات الدولة، وتحرم الموظفين بذرائع إيرادات النفط التي تنهبها حكومة مجلس القيادة الرئاسي؛ وبذلك يتضح أن ثالوث مجلس القيادة الرئاسي والمجلس الانتقالي الجنوبي وجماعة الحوثي يستثمر جميعهم في استمرار الحرب والصراع والأزمات؛ كونها الرئة التي تغذي مصالحهم وتخدم مشاريعهم؛ وهي البيئة التي نمت مكوناتهم وترعرعت فيها واتسعت مصالحهم ونفوذهم في بيئة الحرب التي وجدت مشاريعهم الصغيرة فرصتها للنمو والتوسع، وإن السلام واستعادة الدولة اليمنية والنظام والقانون والمشروع اليمني الكبير: هو ما ينهي تلك المشاريع الصغيرة وأمراء الحرب وتجار الدماء من اللصوص والأدوات الرخيصة التي يتحكم بها راعيها الإقليمي باعتبار تسوية إقليمية، وتوافق بين المتصارعين الإقليميين والدوليين على اليمن: هو من سيمكن من إخراج تسوية من المفترض أن ينجزها اليمنيون لأنفسهم ومستقبل بلادهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى