عام تحقق التمنيات وتحرر الشعوب

د. طه حسين الهمداني
تختلف التمنيات ، من فرد لآخر بحسب البيئة وعوامل التنشئة ودروب الحياة اليومية، فهناك من يتمنى الصحة والبقية تأتي، وهناك من لديه شغف نحو كسب المال الوفير، وهناك من يرى في العمل والتدرج الوظيفي هدفا، أما السعادة فهي حالة يشترك في نيلها الجميع.
ثم يأتي نجاح الأبناء وأخذهم لفرص الحياة؛ فهم انعكاس مبعث فخر لأبويهما قبل كل شيء، واستقامة سلوكهم وعلاقتهم بالله وبالآخرين وتمسكهم بالقيم النبيلة والأخلاق الحميدة والمبادئ، واعتزازهم بهويتهم العربية والإسلامية.
كلها أماني مشروعة وطموحات قابلة للتحقق وندعوا الله أن يستجيب دعاء الجميع .
الأمنيات والأحلام كما تقول الروائية الجزائرية الكبيرة احلام مستغانمي (اكتب عن التمنيات وليس عن الأحلام لأنها لو تتحقق لما سميت أحلام!!!).
الحياة معركة كبيرة ساحتها في داخل الإنسان وعقله؛ لكنها محكومة بواقع قد يكون مؤلم وغير متاح تماما أو غير قابل للتنفيذ، تعكر صفوه للأسف بؤر الصراعات وإنتاج الحروب لتمرير مشاريع معينة على حساب الإنسان والعمران.
البعض يكون متفائل جدًا وهو يخوض معركة مواجهة التحديات التي هي في بلده أصعب وأمر، والبعض يؤمن أن المستقبل سيكون أفضل حتى وأن عشنا سنوات مريرة.
إن ما فعلته وتفعله الحرب جعل منا أن نغير مسار الأمنيات خاصة نحن اليمنيين وباقي الدول التي أطلت عليها الحرب والفوضى بما فيها السودان وسوريا وليبيا والعراق، وأما ما تعرضت له فلسطين وخاصة قطاع غزة فهو أمر مهول يستدعي حشد طاقة واسعة من الحزن فهي القضية الاستثناء، ومصدر كل هذه الأوجاع التي تحيط بنا من كل الجهات.
إن خوض تجربة الحرب بالبندقية واستعمال الطائفية والعنصرية أسوأ بكثير من المشاكل الاقتصادية العابرة والأزمات المالية ونقص الغذاء أو الدواء .
إن التجارب المريرة التي مررنا عليها سلفا كافية لأن تعيد الشعوب حساباتها، وأن تكون الأنظمة على قدر من المسؤولية ومجابهة الثغرات.
ما يؤلمني في هذه اللحظات الفارقة والزمن المليء بالوجع وما دفعني لانتهاز فرصة الكتابة صباح هذا العام الجديد الذي اقتحم خيالاتنا وأمنياتنا هو ما يتعرض له الشعب الفلسطيني الذي تخلى عنه الجميع باستثناء بعض الشعوب الحية، والأفراد الذين لا زال لديهم ضمير.
لقد ارتكب جيش الكيان الصهيوني جرائم بشعة هي الأسوأ في تاريخنا الحديث وسط صمت عربي محير، وانحياز أمريكي واوربي فاضح في الوقوف مع القاتل الصهيوني في تخادم مفضوح وتزاوج غير شرعي مع أعتى قوة في العالم تدعي الديمقراطية وتتاجر في حقوق الإنسان.
لقد عرت حرب غزة دعاة الحفاظ على القيم زيفا والداعين إلى إعمال القوانين الإنسانية وتفعيلها في المجتمعات كذبا، الحريصين على نشر العدالة والمساواة والتنمي؛ة فيما تحول قطاع غزة إلى ركام مكتظ بجثث الأطفال والنساء وكذلك الشيوخ، لم تحترم مدرسة ولا مشفى ولا طريق ولا سيارة إسعاف ولا ملاجئ ولا صحافة ولا إعلام.
اليوم يختفي عن المواطن الفلسطيني كل شيء من عناصر ديمومة الحياة، الماء والدواء وكل أدوات الاتصال والتواصل التي يعيش عليها العالم في العام 2024، أهلنا في غزة العزة والكرامة محاصرون وكأنهم في شعاب مكة وليس من حولهم كل هذه الدول والأنظمة وكل هذا العتاد والمال والسلاح والرجال.
الصمود الأسطوري وتوثيق اللحظة أولا بأول والمواجهة من مسافة صفر وإيصال الرسائل إلى العالم بكل الطرق نتيجة الحرب البشعة والجرائم الفضيعة والإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل جميعها عار على هذا العالم بكل اكتشافاته وعلومه ومعرفته.
ما هي أمنيات الفلسطيني في العام الجديد؟؟
الكل يحلم بالعودة إلى منزله حتى وأن كان مهدما ليضع خيمة على أرضه وينام فيها ويلتحف بالسماء غطاءا.
السؤال هو إلى متى سيظل هذا الشعب يدفع فاتورة كفاحه لأجل نيل حريته واستقلاله؟؟
من حق الجميع أن يحلم ويتمنى ما يريد؛ اليوم المواطن اليمني الذي تعرض للتهجير والنزوح ويقدر بالملايين يحلم بالعودة إلى بلده سالما آمنا مطمئنا، متجاوزا المواجهات المسلحة والطائفية والمذهبية المقيتة ودعوات الانفصال والتقسيم.
وهكذا تكون الأمنيات على قدر الواقع والحاجة والمعطيات، وهو المؤمل أن يحدث في العام الجديد 2024، أرجو لكل أصدقائي تحقيق أمنياتهم، وأن تنال الشعوب حريتها، وأن نتجاوز كل هذه الفوضى.