كتابات وآراء

استخدام العقل يمنع ضياع الطريق

أ/ عمر الشلح رئيس التحرير

افتتاحية العدد ٧٦

على قدر أهل العزم تأتي العزائم؛ كلما كانت التربة التي أتى منها المرء نقية صافية؛ نقت سريرته وطابت سيرته وحسنت مسيرته، والعكس بالعكس؛ تخبرنا الأيام حقيقة بشحة الأصفياء الذين يملكون قرارهم، والأوفياء الثابتون بعدل على العهد والوعد؛ الذين يشعرون بمسؤولياتهم تجاه أنفسهم ومجتمعهم وشعبهم ووطنهم وأمتهم والإنسانية، ويؤكدون قولهم النظيف السامي بفعل أكثر صوابية وحكمة ونفع؛ فرب العزة يقول: ” كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون”.
الأسوياء لا يتناقضون؛ وعلى قدر النية والعمل يكون حصد الثمار ونيل المحصول، ومن يقطع الصلة بربه الذي خلقه وأنعم عليه ورعاه وكفاه؛ كيف ستكون صلته بمن حوله من أهل ومجتمع، ورفاق درب وسلاح، وحماة عرين وزملاء كفاح.. من يفتقد للجدية والصدق والحكمة والإيمان بالقضية كيف يؤتمن؟!
وبقدر ما ينطبق على الأفراد ينطبق على الدول؛ فإيران ووكلائها في المنطقة والإقليم صمُّوا أسماعنا بصراخهم عن القدس وغزة وفلسطين؛ ولم نجد لها تحرك إلا بالدفاع عن مصالحها وأراضيها وكبار أذيالها فقط؛ بنفس الوقت الذي حولت فيه- بفعل غباء أدواتها- شعوب وعواصم ودول إلى محارق، ومحوى لقطعان جائعة وذئاب متصارعة وغابات جرداء بلا قانون ولا مقومات بقاء سليم؛ ويبدو تحركها العسكري الأخير أشبه بمناورة عسكرية ذات بعد سياسي عميق بين حليفين غير علنيين، تجمعهم مصالح وأهداف مشتركة؛ وإن أظهروا عداءهم فالحميمية والمنافع المتبادلة تجمعهم.. ويعتبر ما جرى دليلا قاطعًا أن فلسطين وغزة والقدس لا تعنيهم أبدًا، وإنما يستغلون ذلك لتحقيق مكاسب شعبية وجماهيرية وتظليل الرأي العام وكسب المناصرين وذر الرماد على الأعين.
ولا عجب فأغلبهم يدعي الانتماء لرسول الله- عليه الصلاة والسلام- وينكر سنته، ويطعن في بيته وصحابته، ويمارس القتل والقمع والتنكيل والتشريد في أمته وأهل ملته؛ وينهب ويسلب حقوق غيره، ويحلل حرام الدم والمال، يوادون الأعداء ويحاربون المسلمين، وإن أظهروا غير ذلك؛ يصدق فيهم تمامًا قول الله: ” وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ، فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ”.
وبالنظر للقوى العالمية التي تتحكم في زمام الأمور الدولية ودوافع سلوكياتها سنجد أن المصلحة والمصلحة فقط هي الدافع الوحيد لها؛ وبينها تنافس محموم ودائب ومستمر؛ لكن سوقوا لنا واقتنعوا بقاعدة “إن الديمقراطيات لا تقاتل بعضها”، رغم سباق التسلح، وحروب النجوم، وصراع التقنية والتكنولوجيا، وحيازة واحتكار أسلحة التدمير الشامل؛ فمن أجل من؟! إنها لغة المصالح الخالية من الأخلاق فعليا وإن ظهرت في خطابها الإعلامي ليس إلا للتجميل وإحكام السيطرة على الرأي العام وتحقيق النفوذ.
الذي يستخدم عقله بكل بساطة يجد التناقض الكبير بين التصريحات والممارسات، بشكل هرمي لكل القوى الفاعلة ابتداءً من القوى الكبرى وانتهاءً بأدواتها من المليشيات المتلونة التي استشرت في عالمنا العربي مؤخرًا وتمكنت كثيرًا في مجتمعاتها النامية، وسيطرت على مقدرات الشعوب وعطلت كل مؤسسات الخدمة والتنمية.. ومع كل المعرفة والإدراك من الجميع يستثير كل العقلاء: لم كل هذا الانبطاح والتسليم والذل والخضوع والصمت والخنوع؟!
الأبطال الذي خلدهم التأريخ وسطروا ملاحم وبطولات وأنقذوا شعوبهم من أوحال الظلم ومستنقعات الظلام ونير الاستبداد وسطوة الاستعباد كانوا بشرًا مثلنا؛ ويجب أن تقرأ سيَرَهُم بإتقان، ويتم الاقتداء بهم والسير على نهجهم لإنقاذ الشعوب المستبدة وتحرير الأوطان المحتلة وترسيخ المبادئ والقيم العريقة والأصيلة التي أكدتها الشرائع السماوية وحققت مصالح الناس؛ فالحياة لا تعود مرتين؛ فالشجاعة لا تقصر الأعمار مثلما الجبن لا يطيلها؛ وعواقب الصمت والخذلان لا تحمد عقابها، بل قد يكون الصامت شريكًا للظالم في كل إثمٍ وجرمٍ كان بإمكانه صده وتوقيفه وكفه لو تحرك بحكمة وشجاعة وإقدام.
الكبر والنفاق والكيل بمعيارين والأحكام المسبقة والأحقاد إضافة للولاءات الصغيرة والضيقة واستصغار الناس والاستخفاف بهم والأنانية والنرجسية… علل وأسقام يجب القيام بالفحص الزراعي الشامل للذات منها قبل الإقدام على العمل، وإطلاق النوايا السليمة والصدق مع الله والناس ضمانًا لإحداث التغيير الإيجابي المنشود، وتخليص المجتمع من ثالوث الفقر والجهل والمرض، وبالله التوفيق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى