ملامح الحاضر ومسؤوليات المستقبل

بقلم رئيس التحرير: أ/ عمر الشلح
مع وجود واستمرار الأمل؛ نستقبل عامًا جديدًا وحالة عدم اليقين طاغية على حال الشعب فلا بصيص نور في غياهب دجى الواقع المرير؛ ودون تغييرات مجدية في الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد، بل ملحوظ اتساع دائرة التشظي والانقسام، وتوسع الهوة والشروخ البنيوية في المجتمع، وازدياد الشحناء والضغائن ودوافع الثأر والانتقام نتيجة المظالم المستمرة والانتهاكات المتفاقمة من قبل المليشيات، وما يتولد عنها من فقر وجهل ومرض؛ بجانب الضعف المصحوب بالفساد في دوائر الحكومة الشرعية المدعومة إقليميا ودوليا.
مع ولوج عام جديد؛ ملامح الوضع العام لم تتغير؛ الحرب الأهلية حاصلة ولو بنسب متفاوتة ما بين النار والجمر المغمور بالرماد بجوار القش ينتظر فقط هبة رياح لتشتعل فتحرق ما تبقى من منجزات الشعب وبناه الحيوية ومقومات البقاء، أو غيمة سلام تطفئ التوقد وتعيد الحياة لشعب مزقته الأطماع الخارجية والضغائن الداخلية والمشاريع الفردية والولاءات غير الوطنية والتبعية والارتهان للغير.. التدخلات الخارجية مستمرة، بل تشمل مصادرة قرار وإرادة كل القوى التي في دائرة الضوء، الآتية بمبرر الانقسام والتنافس السياسي المفتقر للمشروع الوطني الجامع والفاقد لحقيقة الولاء للشعب والوطن.
أزمات إنسانية وصحية وصفتها المنظمات الدولية الراصدة بأنها مخيفة جدًا والأسوأ على الإطلاق، جعلها تغير المناخ وضعف الدولة وانعدام المسؤولية أكثر كارثية؛ بلا ضمان لإيجاد علاج حقيقي مستدام، أو مخفف من حدة وطأتها.. إذ أن أكثر من نصف الشعب جوعى تحت خط الفقر المدقع والفاقة المبلدة، وثلاثة أرباع النصف الآخر يعاني من سوء التغذية وتدهور المعيشة وبحاجة ماسة لمساعدات إنسانية منقذة؛ ناهيكم عن عودة الأوبئة الفتاكة كالكوليرا والملاريا والتيفويد والبلهارسيا وحمى الضنك والحصبة والجدري وانتشار السرطانات بأسباب الحرب وتلوث المياه والهواء وضعف التغذية وانخفاض معدلات التطعيم، وشحة الأدوية وخروج كثير من المستشفيات والمراكز والمرافق الصحية عن الخدمة لانقطاع الكهرباء وتشرد ونزوح وهجرة الكوادر الطبية وانقطاع الرواتب.
هشاشة التعليم، وتحريف المناهج، والتعبئة الطائفية والمناطقية، وتعميق الكراهية، واستمرار خطاب الكراهية، وغسل أدمغة النشء والشباب بالغلو والتطرف، وتجنيد الأطفال وفتح آفاق السقوط الأخلاقي المنظم استغلالا لحاجات الناس المعيشية، وضعف وتوقف أجهزة “الرقابة والتفتيش والمحاسبة” وتطييف القضاء والنيابات.
اللجوء والفرار للهويات الصغرى المتمثلة بالانتماءات المناطقية والمذهبية والطائفية والقبلية ساهم في تأجيج الصراع، وأضعف الهوية العامة، وخلق نوع جديد من الأنوية والذاتية واللهث وراء المصالح الشخصية وشراء الولاءات المؤقتة؛ وغيّب دور العقلاء والوطنيين في زحمة القوى الهمجية الصاعدة بلا وعي ولا مشروع ولا بصيرة غير عيش اللحظة بروح المغامر الفارغ المستميت.
التهميش الإقليمي تفاقم، وزادت الأطماع الدولية الناظرة لليمن كفريسة سهلة وكنز بلا حارس، ووجبة دسمة من أرض غنية وبكر؛ سال عليها لعاب الجميع، ولم يتقاسموا خيراتها فقط؛ بل تقاسموا قواها وجيشها ومواردها وحتى يدها العاملة بثمن بخس، وضخوا في شرايينها كل أوساخهم وفيروسات مجتمعاتهم، وسقوطهم الحضاري والأخلاقي، وإن تظاهروا بغير ذلك فالواقع يكشفهم ويعريهم ويفضح حقيقتهم بلا مراء ولا ريب.
بعد سرد أهم الملامح يجب أن ندرك مسؤولياتنا بجدية، ونستشرف الجانب المضيء والمرجو من المستقبل؛ باعتبار أن الأمل يعظم ويكبر إذا استجابت القوى السياسية لصوت العقل ودعوات النبلاء، والإقلاع عن التسبب أو ممارسة أو الشراكة فيما ذكر أعلاه، والعزم على فتح صفحة جديدة تنهي الصراع وتخلق الوئام وتعيد بناء الثقة قبل إحياء وبناء الدولة؛ وتحسن الوضع الصحي، وتفتح واحات الحوار الوطني البناء لإعادة إعمار البنية التحتية وما خلفته الحرب والأزمات من كوارث ودمار عيني ومعنوي؛ والتعاون في توفير المياه النظيفة والصرف الصحي، وتوفير وتحسين الغذاء والدواء والكهرباء، واستقلال القضاء والمؤسسات السيادية وإبعادها عن التنافس السياسي، وتطبيق الدستور والقانون، والتهيئة لانتخابات حرة ونزيهة وشفافة برقابة أممية، ليعود الشعب للحياة من جديد ويبني مستقبله على أسس الإرث الأصيل والحضارة العتيقة والطموح المشرق المواكب للتطور العالمي والتحديث العلمي؛ فشعبنا أصيل وعريق يستحق الحياة المثلى والعيش الكريم.