القرصنة البحرية وفخ الرأي العام

هناك ضوابط واتفاقيات ومعاهدات وبروتوكولات دولية “متفق ومتعارف وموقع” عليها، تنظم الملاحة البحرية والحركة التجارية والنقل اللوجستي.. والجميع يدرك سيل لعاب القوى الاستعمارية على خيرات وثروات الدول النامية التي منها بلادنا؛ خصوصًا أن مضيق باب المندب له استراتيجية اقتصادية بالغة الأهمية للإقليم والعالم، فهو وريد حي يربط ثلاث قارات بشكل مباشر، وتعم فائدته الاقتصاد العالمي برمته.
الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع: إن ما تقوم به المليشيات الحوثية ليس دعما لغزة وفلسطين، ولا انتصارا للقدس، ولا إيمانا بالعروبة والإسلام؛ فأمريكا وإيران وأذيالهما يمثلا مسرحية درامية وسيناريوهات خداعة تلعب بمشاعر الشعوب وتستهدف خيراتها وحاضرها ومستقبلها.
والملاحظ بأن السفن التي ادعت المليشيات الحوثية السيطرة عليها كانت عبارة عن هدايا وهبات مقابل تخريب اليمن، واستعباد أهلها، وتغييب الدولة، ومصادرة المؤسسات، وانتحال الصفات الرسمية وخلق مبررات التدخل الإقليمي والدولي لتدمير منجزات الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية، فالمليشيات تنفذ أجندة دولية بحتة، ولم تقدم لليمن أي خير، بل رسخت الجهل والفقر والمرض، ورمت الشعب في مستنقع الاستبداد والاستعباد، ووحل الطائفية والمناطقية والعوز والويل والثبور.
الأيام تؤكد صوابية وصلاحية قاعدة ابن خلدون التي تنص على أن “الطغاة يجلبون الغزاة” فمن ثمار المليشيات الحوثية جلب التحالف العربي ومساعدته في تنفيذ مراميه غير السوية في الوطن، وها هي اليوم تستدعي القوى العالمية الكبرى لسحق ما تبقى من مقومات الحياة في اليمن الذي لم يعد سعيدًا، والذي يغرق بسببهم وفعلهم في بحر من الشقاء والضيم.
لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها؛ ولا نجد في عصرنا الحالي أحمق من هذه المليشيات إلا شركائهم من دعاة الانفصال وبقية الجماعات الإسلاموية التخريبية التي لا تؤمن بالحياة، وتحمل شعارات الموت وأحقاد الماضي والحاضر والمستقبل.
فهل يستحق الشعب اليمني العريق أن تعبث بحاضره ومستقبله هذه القوى الظلامية؟!، ومتى سيصحو الشعب من سباته وموته السريري ليقول لهم: لا؟! صحيح أن الوضع المعيشي لم يعد يطاق، وأن توفير لقمة العيش هي شغل الجميع الشاغل، والمعاناة شديدة والمآسي لا ترغب بالتوقف؛ لكن الصمت يضاعف الشقاء، والسكوت عن الحق مشاركة في ضياعه، واستمرار هذه المليشيات عبئ ثقيل مؤلم متزايد على كاهل الشعب، ويجب ألا يستمر الصمت أو المداهنة أو حتى تصديق الشعارات الزائفة.
إن ما يسمى بمحور المقاومة هو في الحقيقة محور المقاولة على التخريب والقتل والإفقار، يستغلوا القضية الفلسطينية من عشرات السنين دون أن يقدموا شيئًا نافعًا ملموسًا لدعم القضية أو السير الملائم في حلها؛ فلقد سلبوا مقومات دول عديدة عسكريًا وأصبح بيدهم سلاح فتاك لا يستخدموه إلا ضد خصومهم من أبناء جلدتهم؛ بينما أمريكا وإسرائيل التي يلعنوها ليلا ونهارًا تسلم أذيتهم وتمولهم وتحميهم وتدافع عنهم في كل المحافل الدولية؛ وتمنحهم كل مقومات البقاء والتجذر.
فإذا تسببوا بجلب الغزاة من قوى دولية عظمى لتدويل باب المندب والوصاية على الحديدة وعدن لن يتضرروا هم؛ فقد سلبوا خيرات وأموال الشعب وسيعيشوا برغد الحياة داخل الوطن وخارجه؛ مكافأة لهم من أعداء الوطن، وسيحموا أنفسهم بما يسرقوا من سلاح ومال، وما يتلقوا من دعم ظاهر وخفي؛ ولن يكون الخسران سوى الشعب ومستقبل الأجيال سيكون في كف عفريت.
نحن مع القضية الفلسطينية منذ نعومة أظفارنا، والتاريخ شاهد بنصرتنا واحتوائنا ودعمنا لأشقائنا الفلسطينيين، دعم حقيقي لا شعارات، والمواقف الرسمية للجمهورية اليمنية وموحد اليمن الزعيم الشهيد رحمه الله ومن على دربه من رجال الوطن الأوفياء واضحة للقاصي والداني، ولا مجال للمزايدة.
فإلى العقلاء والنبلاء: لا تسلموا رقابكم ومستقبل أبنائكم لهؤلاء الحمقى والعملاء، الذين يظهرون خلاف ما يبطنون، ويتاجروا بقضايا الوطن والعروبة والإسلام ليمارسوا أبشع الجرائم بغطاء العفة والطهر الزائف، ويجلبوا كل الخراب والدمار.. ونحن على يقين بأنهم يمكرون ويمكرون والله خير الماكرين، وسيعود ظلمهم وظلامهم مطرًا عليهم وويلا لهم وخزيًا في الدنيا والآخرة.