كتابات وآراء

الزعيم وملاحم العظمة.. من منزل الكرامة إلى حصن الشموخ

د/ جمال الحميري

في فجر اليمن الجريح، حين اشتدت العتمة واستبد الخوف بالقلوب، خرج الزعيم علي عبد الله صالح من بين ركام الصمت ليخوض معركة الجمهورية الأخيرة، لا من خلف الجدران، بل من عمق صنعاء، ومن بين أهله وناسه، متحديًا رصاص الغدر وخناجر الخيانة.

لم يكن مجرد قرار سياسي، بل لحظة فارقة في تاريخ الوطن، حين أدرك الزعيم أن منزله ــ منزل الكرامة ــ قد صار محاصرًا من كل جانب، وأن قذائف الحوثي تنهال ليس فقط على منزله، بل على بيوت المواطنين الأبرياء من الجيران الذين رفضوا أن يكونوا دروعًا بشرية لمليشيا لا دين لها ولا عهد. كانت لحظة ضمير، لحظة رجل قرر أن يخرج من بين جيرانه كي لا يُعرضهم للخطر، فشد عزيمته وقرر أن ينقل المعركة إلى ميدان جديد: حصن عفاش، ذاك المعلم التاريخي الشامخ، حيث تعانق الحجارة ذاكرة الوطن.

هناك، في أعالي الحصن، أراد الزعيم أن يصنع تحولًا استراتيجيًا، أن يُحدث اختراقًا في مجرى المعركة، أن يطلق شرارة المقاومة من جديد. لم يكن خائفًا، ولم يكن مهزومًا، بل كان قائدًا يعرف أن المعارك الحاسمة لا تُكسب من مواقع الاستسلام، بل من ميادين الشرف والبطولة.

رافقه في رحلته الأخيرة رجلٌ من طراز نادر، الشهيد البطل عارف الزوكا، أمين عام المؤتمر الشعبي العام، الذي آمن بالزعيم حتى النفس الأخير. لم يفكر في الفرار، ولم يسلك طريق النجاة الشخصية، بل اختار طريق الموت بعزة على أن يحيا بذل. كان الزوكا رمزًا لمعنى “الوفاء” حين اختفى هذا المعنى من قلوب كثيرين، وكان شاهداً على أن الكبار لا يهربون من ساحات المعركة، بل يثبتون حتى الرمق الأخير.

الزعيم خرج من منزله لا هاربًا، بل مقاتلًا يبحث عن خيط ضوء ينقذ ما تبقى من الدولة. وحين واجه الموت في الطريق إلى الحصن، لم يطلب الرحمة، ولم يتوسل الحياة، بل واجه الغدر بوجه مكشوف وصدر عارٍ، وارتقى شهيدًا كما يليق بالقادة العظماء.

وهنا، لا يمكن أن تمر ذكرى تلك اللحظات دون أن نقف بإجلال أمام موقف رجلٍ قرر أن يموت من أجل كرامة شعبه، لا أن يبيعها من أجل حياته. لقد سقط الجسد، لكن بقيت الروح، وارتفعت راية الشرف عالية لا تنكسر.

نعم، لقد ظن الحوثي أنه باغتيال الزعيم والزوكا قد أخمد صوت الجمهورية، لكنه في الحقيقة أيقظها من سباتها، وأشعل جذوة الغضب في قلوب الأحرار. فمن منزل الزعيم إلى حصن عفاش، سال الدم، لكنه لم يكن دم الهزيمة، بل دم البعث، دم البداية، دم ثورة لن تخمد حتى تعود الدولة، الثورة، الجمهورية، وحتى تُقتلع جذور الظلم والطائفية من تراب اليمن الطاهر.

سيظل الزعيم خالدًا في ذاكرة الشعب، وسيبقى الزوكا علمًا من أعلام الوفاء اليماني الأصيل، وستنبت من تراب الحصن وربوع اليمن ألف مقاومة، ومن دم الشهداء ألف نصر، وسيظل عهدنا أن لا ننسى من ماتوا لنحيا نحن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى