كتابات وآراء

صحيفة التصحيح العدد ٨٢

افتتاحية العدد ٨٢ من صحيفة التصحيح

بقلم الأستاذ/ عمر الشلح

واحد من أبرز الأيام التأريخية الخالدة في حياة شعبنا اليمني، وأحد بوارق الإشراق في دياجير الظلمة، أضحى علمًا في رأسه نور يضيء دروب الراغبين بالانعتاق؛ ومَعْلمًا شامخًا تفتقر البَريَّة الحكيمة لمثله؛ إنه يوم ميلاد الديمقراطية اليمنية، وتأسيس نهج التبادل السلمي للسلطة، نعم.. يوم ١٧ يوليو ١٩٧٨م الذي أسندت فيه مهام رئاسة الجمهورية للمقدم/ علي عبدالله صالح بإجماع مجلس الشعب التأسيسي، بابتهاج وثقة وإيمان وصدق، ووفاء لموطن يحتاج لحكماء “يدركون مفاتيح النهوض، وأسوار التحصين، وقواعد البناء، ومبادئ السياسة، ومضامين التحديث، وأسس التطوير، وجوهر العلاقات، وأبعاد المواقف، واحتياجات وطموحات وآمال الشعب”.

عَزّ أن نجد في النخب السياسية الموجودة الآن نظيرًا له أو شبيهًا به؛ وهو ما يُحتّم على شريحة الشباب استلهام سيرته العطرة واستيعاب سريرته النقية، والسير على نهجه والشهداء الأبرار بموضوعية ووعي وعزيمة وإصرار، وبروح كفاحٍ ونضالٍ لا تقبل الاستسلام للضغوطِ والمعاناة، ولا تُعاق مهما بلغت العقبات الكأداء والمشاريع الظلامية.

للأسف البالغ أن النخب السياسية فقدت أهمية وحتمية دورها وفعلها الإيجابي المباشر في إحداث التغيير الوطني والاجتماعي المطلوب، وبدلاً من أن تكون أداة حل لكل إشكالات الواقع وأزماته، أضحت جزءًا من المشكلة وأحد مصادر إنتاج الأزمات والإشكالات؛ وهذا ليس تجنيًّا؛ بل هي الحقيقة التي يمكن قراءتها بوضوح في الخطاب الإعلامي السياسي المعبر عن مواقفهم وقناعاتهم وتوجهاتهم العَصْبَويّة ومصالحهم الضيقة.. خطابهم في أهدافه ومفرداته ولغته السياسية، يؤصِّل للتشظي الاجتماعي والسياسي والقيمي، وينتج واقع اللامعقول، وعوامل التمزق والتناحر والفتن، خطاب مُكَرّس لإنتاج ثقافة الكراهية واليأس والانهزامية؛ ويروج للمذاهب العبثية الفوضوية، والمعتقدات والقناعات والأنساق المعرفية المنغلقة والجامدة مع احتياجات ومتطلبات البناء والتغيير والتحديث التي ينادون بها.

لعل أحد مفاتيح الحل لإشكالات المرحلة الراهنة والخروج من مستنقع الصراع والأزمات، مرهون بوجود نُخب وطنية انحيازها التام للوطن والشعب، تتعاطى مع حقائق الواقع ومصالح الوطن وإرادة الشعب وخياراته بمصداقية وواقعية وشفافية.. نُخب تنتمي بفعلها وثقافتها وسلوكها إلى المستقبل، منفتحة على بعضها البعض وعلى الآخر، ليس بمقدور النخبة السياسية الموجودة في الواجهة اليوم التحليق في فضاءات الحرية والإبداع بعيدًا عن سطوة العصبية والانتهازية السياسية والأنانية الذاتية والحزبية المفرطة، طالما ظلت قناعاتها وتفكيرها العملي مكبلاً ببرامج وشعارات وإرادة طائفية أو حزبية، لا تتفاعل مع الأحداث إلا من منظور مصالح هذه الجماعة أو هذا الحزب أو تلك المنطقة، ولا ترى خيارات أجمل ولا أفضل مما هو موجود في برامجها ومشاريعها السياسية الطائفية أو الحزبية.

غياب القدوة يدفع لإضاعة البوصلة؛ كان الشباب في حيرة شديدة نتيجة التعبئة الحزبية والطائفية المثقلة بتزييف الحقائق واتهام النظام السياسي القائم حينها بكل المثالب؛ فركبوا موجة الربيع المشؤوم بلا وعي وتحت ضغط الإعلام الحزبي والشطري ومؤثرات الاستهداف الدولي للأنظمة العربية التي منها بلادنا، لعبت هذه النُخب دورًا رياديًّا سلبيًّا في تشكيل وإعادة تشكيل عقلية الشباب وقيادة وتوجيه فعلهم في مسارات فوضوية تدميرية غير وطنية، حولت القطاع الشبابي دون إرادته إلى فريسة تنهشها الأحزاب والتيارات السياسية والمذهبية المتطرفة دون رحمة، وأمعنت في إلحاق دمار كبير في بنيانها الاجتماعي ووحدتها الوطنية، وفي عقيدتها وانتماءاتها وولائها الوطني، لتجعل منها قوة عمياء للفوضى التدميرية، وكوابح حقيقية للبناء والتنمية والتطوير المنشود.

اليوم تحولت قناعات وأطروحات وأفكار هذه النخب إلى أداة استخدمت قطاع واسع من الشباب للفوضى والانقلاب وإشاعة الفتن والصراعات، والأخطر من ذلك أنها أقامت في وجوههم سدودًا حالت بينهم وبين الحقائق والمستقبل، وغرّبتهم عن تاريخ الوطن وتراثه وثقافته ومنجزاته على كل الصُّعُد، وجعلتهم غير قادرين على اكتشاف حقائق الحياة السياسية الوطنية ومسار نهرها المتدفق.

حريٌ بنا في ذكرى ميلاد الديمقراطية إعادة النظر في سيرة الزعيم الشهيد، والترحم عليه، وألا نتوانى عن الاقتداء به والكوادر الوطنية التي لم تدخر جهدًا في صناعة الدولة اليمنية الواحدة والمستقلة السائرة في درب التنمية والتطوير والتحديث، والخالية من عُقَدِ الماضي البغيض، والولاءات الطائفية والمناطقية، والتبعيات الخارجية، وأوهام الخلافة والولاية.. بالتزامن مع التطلع إلى خطاب سياسي إعلامي وثقافي يسهم في تعزيز الانفتاح نحو الحوار “اليمني اليمني” والوفاق الوطني، ويتمترس في كنف الدفاع عن الثوابت والمصالح الوطنية العليا، وممارسة الحقوق الدستورية المشروعة في إبداء الرأي و الأطروحات المتباينة ونشر المعلومات وتقديمها إلى الرأي العام المحلي والخارجي في إطار من المسؤولية التامة، بعد التثبت والتيقن من مصداقيتها وحقيقتها، والسير نحو فتح آفاق التنافس الديمقراطي على السلطات الهادفة لخدمة الشعب عبر صناديق الاقتراع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى