الفجر المظلم (الحلقة الثالثة)قراءة المعطيات الدينية لزوال إسرائيل.

وجود إسرائيل وعلو شأنها في فلسطين مسلمات دينية دامغة ومؤكدة في الشريعة الإسلامية، واليهودية، والمسيحية، ومسألة زوالها كذلك.. كل الإشارات التي وردت في ذلك واضحة بينة، الغموض فقط، يعتري مسائل تفسيرها، وزوايا النظر إليها، فرؤيتها تختلف باختلاف الخلفيات الفكرية والمعرفية، ومع أن المضمون ثابت راسخ، إلا أن المدلول لازال يترنح في زوايا التأويل الذي تتجاذبه خلافات المفسرين.. نعم، هم يتفقون جميعهم على أن لإسرائيل نهاية، لكنهم يختلفون على الكيفية التي ستحدث بها، وفي هذه الدراسة نحاول أن نعيد قراءة المضمون الديني في الشرائع الإسلامية واليهودية والمسيحية من منظور واقعي صرف بعيدًا عن أي تسطير للخرافات أو تصدير خيالي، فعلى الرغم من استعراضنا لمضامين تستند على الفكر التفسيري للموروث الديني في هذا الشأن، إلا أنها دلائل استرشادية تخدم محور إعادة الصياغة لا أكثر ولا أقل.
على العموم، سيتم في هذا القسم تناول المعطيات الدينية في القرآن الكريم وفي التوراة وفي الإنجيل على النحو التالي:

أولاً: معطيات القرآن الكريم: (القرآن الكريم بحرٌ عظيمٌ معطاء، لا يدرك نَفائِسهُ إلا من غاص فيه).
من خلال مراجعة آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن بني إسرائيل وخاصة الآيات موضع التحليل في سورة الاسراء: “وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنّ فِي الأرْضِ مَرّتَيْنِ وَلَتَعْلُنّ عُلُوّاً كَبِيراً؛ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مّفْعُولاً؛ ثُمّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً؛ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخرة لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوّلَ مَرّةٍ وَلِيُتَبّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً؛ عَسَىَ رَبّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً” سورة الإسراء الآيات 4-8.
ولاستعراض ما سبق عُمقًا وتحليلًا فإنه سيتم التعرض للآيات القرآنية بمزيدٍ من التفصيل والتوضيح والشرح بالاستدلال، استقراءًا واستنباطًا وذلك على النحو التالي:

1- مدلولات الخطاب الديني: (في العلم، من تحقق نهل، ومن تفكر استدل، ومن تحقق وتفكر وصل):

2- تحليل المضمون للآيات القرءانية: (من تعمق في المكنون فهم المضمون).

ثانياً: الفاعِلون المسلطون على بني إسرائيل على الصعيد الديني والتاريخي:
1- الفاعِلون المسلطون على بني إسرائيل في النص القرآني:
بينا في التحليل السابق كيف أن الوقائع المحددة في القرآن الكريم كانت واضحةً جلية في أن القوم الذين سيكونون في مواجهة بني إسرائيل في المرتين محددين في لفظٍ جاء بصيغة عبودية العموم (عبادًا لنا).
وقد أشار الشيخ بسام جرار إلى أن ما جاء في الحديث الشريف يمكن أن نعتبره تأكيدًا لما ذكرناه، فقد وردت عبارة (عبادًا لي) إشارة إلى خروج يأجوج ومأجوج، بينما ذكرت عبادي إشارة إلى المؤمنين الذين مع سيدنا المسيح عليه السلام: فَبيْنَما هو كَذلكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إلى عِيسَى: إنِّي قدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لا يَدَانِ لأَحَدٍ بقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إلى الطُّورِ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ.
وردت بعد عبارة (عِبَاداً لّنَا) في الآية الكريمة، عبارة (أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ)، وبالبحث في القرآن الكريم لتحديد مضمون المعنى للعبارة وجدناها ذكرت في تحديد قوم من الناس في أربعة مواضع، الأول: (الآيات الكريمة قيد التحليل)، والثاني: “قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ” سورة النمل الآية33، والثالث: “قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إلىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ۖ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا ۖ وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا” سورة الفتح الآية 16، والرابع: “لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ” سورة الحشر الآية 14، وفي الأربعة المواضع، كانت الآيات الكريمة تتحدث في سياقها عن أقوامٍ كافرين.
وقد ذُكر البأس الشديد أيضًا في ثلاثة مواضع أخرى، الأول: “لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ” سورة الحديد الآية 25، والثاني: “قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا” سورة الكهف الآية 2، والثالث جاء الذكر بصيغة أخرى: “فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا” سورة النساء الآية 84، والآيات في هذه المواضع أشارت كلها إلى جانب يتضمن العقاب، ففي الأولى، أشارت إلى ضرر الحديد وفتكه وشدته ويؤكد ذلك أن جاء بعدها عبارة منافع للناس، وفي المعنيين الآخرين جاء البأس الشديد بمعنى عقاب الله تعالى وبمعنى العذاب، وهنا تدليل بأن العبارة “بأسًا شديدًا” إنما ذكرت في الأقوام الكافرين، وتدل أيضًا من سياق وجودها في القرآن الكريم بشكل آخر على العقاب والعذاب.
ومن خلال سياق الآيات الكريمة نجد أن الله تعالى إنما ساق العقاب والعذاب لبني إسرائيل نتيجة فسادهم وعلوهم الذي أشارت الآيات إليه عمومًا في المرتين: “وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنّ فِي الأرْضِ مَرّتَيْنِ وَلَتَعْلُنّ عُلُوّاً كَبِيراً”، هذا العقاب سيكون على أيدي عبادٍ من عباده غير المؤمنين في المرة الأولى، وقد أشار بصراحة وبوضوح تام على أنهم هم من سيدخلون المسجد في المرة الثانية، فكل الضمير في الآيات التي جاءت لما بعد الدخول الأول يدل على ذلك: “رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرّةَ عَلَيْهِمْ، لِيَسُوءُوا”، بل وقد جاء الدخول الثاني في الآيات الكريمة مؤكدًا وقاطعًا لأي شك حول ذلك “وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوّلَ مَرّةٍ”، وهنا نستوثق أمرًا مهمًا في مسألة العبودية لله تعالى “عبادًا لنا” فبتحليل الآيات نجد أنه لم يتخللها ما يفيد تبدل حال من سيدخلون المرة الثانية لذا؛ فإن تعميم حُكم ومنزلة خطاب العموم يظل عليهم قائمًا “عبادًا لنا” كحال من دخلوا في المرة الأولى.

2- الفاعلون المسلطون على بني إسرائيل في السيرة الإسلامية:
كما ذكرنا عند التعرض للنص القرآني أن عبارة (أولي البأس الشديد) ذُكرت بشكلها الخاص (للأقوام) أربع مرات، أحدها معرفة ومحددة للقوم المقصودين بها، حيث كانت لقوم سبأ من اليمن: “قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ” سورة النمل الآية 33، والأخرى لم تكن معرفة، أي أنها لم تحدد الأقوام صراحة، وبالنظر إلى أن اليمنيين أسلموا في عهد رسول الله تعالى دون حرب، فأولي البأس الشديد المتبقية لم تكن بالتأكيد لهم.. وفي إحداها إشارة واضحة إلى أن المنافقين سيدعون لقتال أولي بأسٍ شديد، لاختبار إيمانهم: “قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إلىٰ قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍۢ شَدِيدٍۢ تُقَٰتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ۖ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا ۖ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا” سورة الفتح الآية 16.
وبالنظر إلى الآية التي أوضحت أن المنافقون لن يقاتلوا مع رسول الله وهو حي: “فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إلىٰ طَآئِفَةٍۢ مِّنْهُمْ فَٱسْتَـْٔذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِىَ أَبَدًا وَلَن تُقَٰتِلُواْ مَعِي عَدُوًّا ۖ إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍۢ فَٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْخَٰلِفِينَ” سورة التوبة الآية 83، فإن المفسرون قالوا أن الدعوة التي ستوجه للمنافقين لقتال أولي البأس الشديد ستكون بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك ننحو إلى أنهم أهل فارس وفق تفسير ابن عباس وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد، وابن أبي ليلى، وعطاء الخراساني لعبارة أولي بأس شديد عند تفسيرهم لقوله تعالى: “قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنْ الْأَعْرَاب سَتُدْعَوْنَ إلى قَوْم أُولِي بَأْس شَدِيد” سورة الفتح الآية 16.
ومن المعلوم أنه يُقصد بأهل فارس من كانوا يحكمون أراضي فارس وتقع فيها أجزاء واسعة من العراق؛ أما قضية دخول نبوخذ نصر إلى بيت المقدس الذي تم اعتباره الدخول الثاني إلى بيت المقدس في السيرة الإسلامية فمن المرجح أن المفسرين اعتبروا غزو سنحاريب (أحد الملوك الآشوريين) إلى بيت المقدس هو الدخول الأول، ونحن هنا نفند ذلك فقد أكدت كل النصوص التاريخية عدم دخول الملك (سنحاريب) بيت المقدس، وإنما تحدثت عن حصاره لبيت المقدس فقط ورجوعه دون الدخول إليه.
وفي حديث بشر، في تفسير قوله تعالى: “إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ” إنما هي آخر العقوبتين: ” لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ” كما دخله عدوهم قبل ذلك: “وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا” فبعث الله عليهم في الآخرة بختنصر المجوسي البابلي أبغض خلق الله إليه، فسبا وقتل وخرّب بيت المقدس، وسامهم سوء العذاب.. وفي حديث آخر جاء فيه: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: “فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ” من المرتين، “لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ” قال: ليقبحوا وجوهكم، “وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيرًا” قال: يدمِّروا ما علوا تدميرا، وقال: هو بختنصر، بعثه الله عليهم في المرة الآخرة.. وفي حديث آخر منقول عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: فلما أفسدوا بعث الله عليهم في المرّة الآخرة بختنصر، فتبر في الأرض ما علا تتبيرا.

3- الفاعلون المسلطون على بني إسرائيل في السيرة اليهودية:
تطرقت أكثر نصوص كتب العهد القديم (التوراة) إلى أن تخريب دولة اليهود الأولى كان على يد الملك نبوخذ نصر، وجاء في (أرمياء 25 : 8-11)، أن الله تعالى عاقب بني إسرائيل لأنهم عصوه، بأن أرسل الله تعالى عليهم نبوخذ نصر الذي اجتاح أرضهم ودمر مُلكهم ومملكتهم وأهلكهم واستعبدهم سبعين عامًا.
كما أشارت كتب بني إسرائيل (أشعياء 14: 2) إلى أن لليهود عودة إلى فلسطين وأن شعوب الأرض بعد أن تنصرهم وتمد لهم يد العون ستكون عبيداً لهم وأن بني إسرائيل سيتسلطون على من أسمتهم توراتهم بآسريهم وظالميهم.
وفي (أشعياء 61: 4-6) ورد أنه سيتم خدمة بني إسرائيل من قبل الغرباء والأجانب وأنهم سيصبحون عظماء بثروات الأمم.
وبعد ذلك وردت إشارة واضحة بخراب دولة بني اسرائيل للمرة الثانية، ففي (أشعياء 14: 29-30) بأن هناك عودة لذُرية من دخلوا إلى فلسطين في المرة الأولى، تلك الذُرية تكون ثعبانًا سامًا طيارًا (على ما يبدو أنها إشارة إلى استخدام صواريخ اليوم) وسيتم الدخول إلى فلسطين للمرة الثانية من نفس جهة الدخول التي كانت في المرة الأولى.
وعلى الرغم من التحريف الكبير والماجن الذي نال كتب اليهود المقدسة إلا أنه ظلت فيها إشارة واضحة وعجيبة حيث أنه تبين بشكل جلي ما كان لدولة اليهود وما سيكون لها في المرتين اللتين ستُفسد فيهما وكيف عقابها من الله تعالى بعد كل مرة ففي(ﺣﺰﻗﻴﺎﻝ 23) ورد نص توراتي يتحدث بشكل مجازي عن أختين (دولتين) ماجنتين، الأخت الأولى(الدولة الأولى): بعد أن أفسدت سلمت نفسها للآشوريين (فَفَضَحُوا عَوْرَتَهَا، وَأَسَرُوا أَبْنَاءَهَا وَبَنَاتِهَا، وَذَبَحُوهَا بِالسَّيْفِ) ويتحدث النص أيضًا عن أن الأخت الثانية(الدولة الثانية): من أنها شاهدت فجور أختها ومصيرها المشؤوم إلا أنها سلكت نفس مسلك أختها؛ بل وكانت أكثر فجورًا، حيث تحالفت مع الآشوريين(العراق) واغترت بعمائمهم، فإن الرب سيعاقبها بأن يسلطهم عليها، وسيكون عقابها بأنها ستلاقي مصيرًا مثل مصير أختها.
ويوضح (حزقيال21: ،6) مقدار الرعب الذي سيصيب اليهود عند زحف ملك بابل نحوهم، إذ ورد فيه أن قلوبهم ستنكسر حزنًا ورعبًا، وتصبح ركبهم مثل الماء خوفًا من أخبار الزحف إلى دولتهم؛ وأكد (حزقيال21: 19) بأن خراب دولة اليهود في المرة الأولى والثانية يكون من بابل، وأشار (حزقيال21: 28-32) بأن من سيدخل إلى فلسطين في ساعة العقاب النهائي هم رجال أفظاظ متمرسون في التدمير.
وفي (أشعياء10 : 28- 32) نبوءة عن قدوم جيش آشور نحو دولة اليهود ووصوله إلى فلسطين، واجتيازه لقرى ومدن في فلسطين (عياث وبمجرون) وأنه سيضع مؤنته (أي سيريح جيشه) في قرى أخرى(مخماش)، ثم يزحف مع خوف ورعب لليهود في مدن فلسطينية أخرى (الرامة “جنين”) وهروب أهل مدن أخرى وفرار سكانها (جبعة شاؤل وجييم ومدمنه)، ومن ثم سيدخل إلى أورشليم(القدس الشريف).
وفي(أشعياء34:10) نبوءة لسقوط لبنان أمام جبار مهوُب (34 تُسْتَأْصَلُ أَجَمَاتُ الْغابَةِ بِفَأْسٍ، وَيَسْقُطُ لُبْنَانُ أَمَامَ جَبَّارٍ مَهُوبٍ)؛ وكلمة مهوُب تمثل اسم مفعول مشتق من حروف الفعل المنصرف المبني للمجهول الذي يوضح من وقع الفعل عليه من قِبل غيره، مثل اسم المفعول (مضروب، مَبْعوث…) أي أن كلمة مهوب تدل على من صنعت له الهيبة من قبل غيره.. ولو كان المراد من صنع لنفسه الهيبة بأفعاله وأعماله فكانت الكلمة في هذا النص سترد بكلمة مهيوب بدلًا عن مهوُب لتكون أكثر دقة، إذ أن كلمة مهيوب تمثل اسم فاعل مشتق من الفعل المبني للمعلوم الذي يدل على من قام بالفعل أو من وقع منه الفعل، وهو ما يدل على الفعل والفاعل معًا.. وبهذا قد يكون تفسير ما ورد، بأن سقوط لبنان سلطةً ودولة سيكون في أيدي جبار صُنعت له الهيبة من قبل غيره، ولم تصنعها له أفعاله وأعماله.
وفي (أشعياء 22: 1-14) «نُبُوءَةٌ بِشَأْنِ أُورُشَلِيمَ» إشارة واضحة لخراب إسرائيل ودمار منازلها على يد من أسمتهم عيلام (إيران) “6 إِذْ إنَّ عِيلامَ قَدْ حَمَلَتِ السِّهَامَ وَاجْتَمَعَتْ بِمَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانٍ، وَقِيرَ جَرَّدَتِ الدُّرُوعَ، 7 فَاكْتَظَّتْ خَيْرُ أَوْدِيَتِكِ بِالْمَرْكَبَاتِ، وَاصْطَفَّ الْفُرْسَانُ عِنْدَ الْبَوَّابَاتِ” وهنا إشارة واضحة إلى اشتراك عيلام وقير في غزو ودمار دولة اليهود، وهما اليوم (عيلام وقير) يقعان في أقصى الغرب والجنوب الغربي من إيران.
كما أوضحت ذات النبوءة، أن قتلى أورشليم ليسوا قتلى سيف أو صرعى حرب؛ بل بسبب هروب قادتها، أو أسرهم دون مقاومة، وأشارت إلى أنه في ذلك اليوم سينتقب أهل أورشليم جدرانها (قد تكون إشارة إلى قيام اليهود بتخريب ما يحصنهم من الأعداء وأعتقد أنهم سيقومون بتدمير مصادر قوتهم مثل الصواريخ والدبابات والمدافع ومفاعل ديمونة في صحراء النقب حتى لا يتم نهبها) وسيهرب الباقون إلى الجبال، وسيتم سبي كل من يُعثر عليه؛ (فِي ذَلِكَ الْيَومِ يُقْتَلَعُ الْوَتَدُ الْمُتَرَسِّخُ بِإِحْكَامٍ مِنْ مَوْضِعِهِ الأَمِينِ وَيُسْتأْصَلُ وَيُطْرَحُ عَلَى الأرْضِ وَيَبِيدُ مَعَهُ كُلُّ الَّذِينَ اتَّكَلُوا عَلَيْهِ (أشعياء 22: 25).
وهناك أكثر من إشارة إلى دمار دولة اليهود في أكثر من موضع ففي (أرمياء4 : 5-31) أوضح أن اليهود سيحتشدون للهروب إلى الحصون لأن الشر سيأتي بالخراب والدمار قادمًا من الشمال (إشارة إلى اتجاه العراق وإيران)، وفي ذلك اليوم سيدب الرعب والخوف على ملك إسرائيل وكهنته ورجال دولته وسيعم الخراب دولة بني إسرائيل، إلا أنه لن يتم إفناؤهم.. وعلى ما يبدو أنها ستكون حربًا جوية طاحنة بين إيران وإسرائيل، ستسحق فيها إيران إسرائيل بآلاف الصواريخ في وقت لا يسمح للدول الداعمة لإسرائيل بإيقاف ذلك، وأعتقد أنه بعد أن تقوم إيران بسحق إسرائيل، سيتم تدمير إيران بغرض التمهيد لتعميم نموذج التشيع الطائفي(العراقي) بدلًا من نموذج التشيع السياسي(إيران) الذي أثبتت الأحداث أنه أكثر عقلانيةً واتزانًا وانتظامًا، وفي (أرمياء 49: 34- 39) نبوءة تتحدث أن الله تعالى سيحطم قوس عيلام (إيران) (قد تكون إشارة لصواريخ اليوم) والتي هي عماد قوتها، وسيتم سبي أهلها من كل الأمم وسيتم القضاء على عظمائهم، وتم الإشارة أيضًا إلى أنه في وقت لاحق سيعود العيلاميون إلى أرضهم.
وفي (صفنيا 1: 4- 13) يوجد وعيد شديد ضد سكان أورشليم وفيه إخبار عن عقاب يمحق كل نعيمهم ويجعل ثرواتهم غنيمة، فَتُصْبِحُ ثَرْوَتُهُمْ غَنِيمَةً، وَبُيُوتُهُمْ خَرَاباً، يُشَيِّدُونَ بُيُوتاً وَلا يَسْكُنُونَ فِيهَا، وَيَغْرِسُونَ كُرُوماً وَلا يَشْرَبُونَ مِنْ خَمْرِهَا).
وقد ذُكر في (مراثي إرمياء 4: 1- 22) أن كل الأحداث التي ستجري على بني إسرائيل ستفقدهم نضارتهم وستتلف سحناتهم البهية وأنها ستجري وسط ذهول وعدم تصديق من ملوك الأمم، لَمْ يُصَدِّقْ مُلُوكُ الأَرْضِ وَسُكَّانُ الْمَعْمُورَةِ أَنَّ الْعَدُوَّ وَالْخَصْمَ يَقْتَحِمَانِ بَوَّابَاتِ أُورُشَلِيمَ) وأن الأحداث ستكون في سرعة خاطفة أيضًا؛ كَانَ مُطَارِدُونَا أَسْرَعَ مِنْ نُسُورِ السَّمَاءِ، تَعَقَّبُونَا عَلَى الْجِبَالِ، وَتَرَبَّصُوا بِنَا فِي الصَّحْرَاءِ)، وقد أشار(ميخا 6: 14- 16) إلى أن الأحداث ستكون سريعة جدًا بحيث أنها لن تُمكن بني إسرائيل من أن يتنعموا بنتاج النعم التي عملوها وأنهم سيقاسون من احتقار الأمم لهم.
وقد ورد في (أشعياء 5: 24-30) تشبيه بليغ لسرعة الأحداث حيث شبهها باحتراق القش وذكر أن من سيسلطون على اليهود لن ينعسوا أو يناموا في إشارة واضحة لتتابع الأحداث وعدم انقطاعها وسرعتها.
أما إرهاصات ذلك فقد حددته نبوءة (حزقيال، 38: 1- 23) التي تتحدث عن اتحاد مجموعة من الدول ذات يوم قادم ضد إسرائيل، وبعد القيام ببحث عميق عن الأسماء الموجودة في النبوءة المذكورة نوردها على النحو التالي: روش (روسيا) وماشك وتوبال (بلاد تقع كلها اليوم في جمهورية تركيا)، وبلاد جومر حددت في منطقتين: تركيا حاليا، بينما حددها القاموس الإسباني بأنها تعني بلاد الأمازيغ(الجزائر حاليا)، وكوش( السودان حاليا)، وفوط (ليبيا، أو دول المغرب العربي)، وبلاد فارس(إيران)، وجوج وماجوج (أعتقد أنها الصين) قد ذكرت هذه النبوءة أن أهل شيبا (اليمن) ورودوس (جزيرة في اليونان)، وأهل ترشيش (طرسوس مدينة في تركيا على البحر الأبيض المتوسط) سيسألون الجيوش القادمة عن سبب مجيئهم وهل هو لِلاِسْتِيلاءِ عَلَى الأَسْلابِ؟ هَلْ حَشَدْتَ جُيُوشَكَ لِنَهْبِ الْغَنَائِمِ وَلِحَمْلِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَأَخْذِ الْمَاشِيَةِ وَالْمُقْتَنَيَاتِ وَلِلسَّلْبِ الْعَظِيمِ؟”.
وهذا يعني أمرًا واحدًا هو: أن تَوحُّدًا ما سيحدث في مسألة تحرير فلسطين وسيكون غزو الجيوش التي ستدخل فلسطين من جهتي الجنوب والشمال، وسيكون بتزامن واحد بحيث يربك إسرائيل ويرعبها في آن واحد.
وهناك نبوءة حول الأحداث حيث ورد فيها أن من في الجزيرة العربية سيتقبلون الهاربين من أرض إسرائيل وسيسقونهم ويطعمونهم، والمذكورون في النبوءة هم أهل تيما (الأرض المذكورة تقع حاليا في السعودية) وأهل ددان من أهل التجارة (وهي أرض يقصد بها اليوم القاطنين في شرق وسط الجزيرة العربية).

٤ – الفاعلون المسلطون على بني إسرائيل في السيرة المسيحية:
نجد أن كتب العهد الحديث (الإنجيل) (متى24: 1-22)، (مرقس13: 1-20)، (لوقا 19: 41-44)، (لوقا 21: 10-24) تذكر مجموعة من العلامات لدنو أجل دولة اليهود، فقد أشارت أنه عندما تحدث الحروب، وانقلاب أمة على أمة، ومملكة على مملكة، وتحدث الزلازل في عدة أماكن في العالم، وتحدث المجاعات، فإن أول أحداث تصيب اليهود هي اضطهادهم وتقديمهم إلى المحاكم والمجامع، وسوف يُضربون ويمثلون أمام حكام وملوك (هكذا جاءت نكرة وغير معرفة) إشارة لامتثال اليهود أمام بعض حكام وملوك العالم.. وتشير النبوءة في الكتب الثلاثة إلى وقوع خراب شديد في أورشليم (بأيدي أعدائها، هكذا في لوقا 19) ولن يترك فيها حجر على حجر إلا ويهدم، وسوف تقوم الأمم بتسليم اليهود إلى العذاب ويتم قتلهم وسوف يكونون مكروهين من جميع الأمم، كما سيقوم اليهود بتسليم بعضهم البعض إلى الموت (الأخ يسلم أخاه، والوالد يسلم ابنه، وينقلب الأولاد على والديهم فيقتلونهم.. هكذا وردت في مَّتى ومُرقس) وفي (لوقا21: 16) “وَسَوْفَ يُسَلِّمُكُمْ حَتَّى الْوَالِدُونَ وَالإِخْوَةُ وَالأَقْرِبَاءُ وَالأَصْدِقَاءُ، وَيَقْتُلُونَ بَعْضاً مِنْكُمْ”، وأيضا أشارت النصوص في لوقا إلى أن اليهود سيبغضون بعضهم البعض؛ وقد حددت النبوءة أن أهم أمارة لدنو أجل دولة اليهود ظهور رجاسة الخراب فقد وردت في(مَّتى 24: 15) عندما تُرى رجاسة الخراب التي قيل عنها بلسان دانيال النبي في المكان المقدس، ووردت في (مُرقس 13: 14) عندما ترى رجاسة الخراب قائمة حيث لا ينبغي.
وبمراجعة نبوءة دانيال حول هذه العبارة (رجاسة الخراب) وجدناها وردت بصيغ مختلفة الأولى: الأرجاس مخرب (دانيال 9: 27) الرجس المخِّرب (دانيال 11: 31)، رجس المخرب (دانيال12: 11)، والأصل العبري لكلمة “رجسة” هي “شاكاس” بمعنى “بغيض” أو “مكروه”، وقد ذكرت العبارة في (دانيال 8 : 13) بصياغة توضح المعنى والمدلول بشكل واضح وذلك في عبارة “معصية الخراب”، وبذلك يتضح أن مدلول كل الصيغ السابقة تُعبِّر عن الانحراف عن التعاليم والسنن الإلهية لأن ذلك “الرجس الذي يولد الخراب”؛ فعندما ينتشر الفسق والفساد وعندما يتم ترك الأخلاق والفطرة السليمة؛ فذلك هو المؤذن بنزول العقاب الإلهي الذي سيترك كل شيء وراءه خرابًا كما حدث لقوم لوط وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب وغيرهم.
وهذه النبوءة إذا ما أُخذت بتجميع ما ورد في مَّتى مع ما ورد في مُرقس مع الاسترشاد بما ورد في دانيال فإن المدلول يشير بوضوح إلى أن أمارة دنو أجل دولة اليهود ستكون عندما يتم ارتكاب المنكرات العظيمة التي تغضب الله تعالى وتوجب نقمته وعقابه وتدميره في الأماكن التي لا ينبغي أن تكون فيها (الأراضي المقدسة، المسجد، الكنيسة، الدير).. كما أشارت هذه النبوءة أنه عندما يعم الخراب المكان المقدس فإن على كل من في فلسطين (من اليهود) الهروب من أماكنهم في أسرع وقت، لا يلوون على شيء وبلا إبطاء، فمن كان في أماكن العبادة يهرب إلى الجبال، ومن كان على سطح منزله فليترك متاعه ويهرب مسرعا، ومن كان في الحقل فلا يرجع ليأخذ ثوبه، وفي النبوءة تهويل شديد للأحداث، فقد أوردت (الويل للحبالى والمرضعات)، وأن يدعو (اليهود) بأن لا يكون هروبهم في شتاء، أو في سبت، وفي النبوءة أن كل تلك الأحداث ستكون في أيام معدودة تنتهي بهم أسرى لدى جميع الأمم أو مشتتين من جديد في كل أرجاء الأرض (لعلها إشارة إلى تشتتهم مرة أخرى كلاجئين منبوذين ومكروهين ومنعزلين في “غيتو” (Ghetto)”.

Exit mobile version