كتابات وآراء

رمضان محطة للمراجعة والتقييم والعلاج

افتتاحية العدد ٧٤ من صحيفة التصحيح

تدهور الوضع المعيشي في اليمن يزداد سوءً بمرور الأيام؛ وتتفاقم معاناة المواطنين أكثر وأكثر، ولعل شهر رمضان الكريم يرفع من مستوى روح التكافل الاجتماعي، ويدفع المواطنين لمساعدة بعضهم، بتفقد ذوي الفاقة والعوز وأهل الحاجة، وصلة الأرحام، ومواساة الجيران، ومداواة الجرحى، وجبر الخواطر، وتعزيز الصلة بالله بعمل الواجبات؛ وترك المنكرات التي أتت بها المليشيات الدخيلة الغارقة بالتخمة ورغد العيش؛ التي ما فتئت تحد أشفار سكاكينها ومقاصلها لتذبح أوردة الشعب وشرايين حياته مع كل مناسبة دينية أو وطنية لكسب مزيد من الجبايات والإتاوات تحت ألف مسمى ومبرر، ودون أدنى مراعاة أو إنسانية أو ضمير أو وازع ديني أو رادع قانوني.

ونرى بأن رمضان فرصة كبيرة وسانحة لتوبة الفاسدين الذي استغلوا ضعف الدولة وهشاشتها، وغيبوبة الأجهزة الرقابية، وشيخوخة وكهولة وانقسام مجلس النواب، واستخدموا نفوذهم للكسب غير المشروع، فتوسعت استثماراتهم خارج الحدود، وانعدمت خدماتهم للشعب والوطن؛ فقتلوا روح الأمل وخواطر الطموح في نفوس أبناء الشعب، وساعدوا المليشيات بشكل مباشر وغير مباشر في الترسخ والتجذر والتخريب، وتجويع الشعب وحرمانه من مقومات الحياة.

وعلى قاعدة “الأمل لا يموت” نخوض جاهدين بحثًا عن بصيص أمل في بحر عجاج مظلم من الفوضى والصراع والتآكل، كما نصول ونجول في مسرح درامي واقعي مليء بالتناقضات والكذب والدجل والكهانة والدهقنة والمؤامرة والحيرة والغموض؛ متسائلين لماذا وكيف وإلى أين صيرورة الأمور الحياتية والدينية والوطنية؟!

وكلنا إيمان بأن الخير باقٍ، والنور لا ينطفئ، والصواب لا ينتهي، والحق لا يضيع.. أملنا بالله كبير، وثقتنا بالرجال الأبطال والنساء الماجدات لا حد لها؛ الثابتون على مبادئهم، التي تذوب قلوبهم حرقة وكمدًا لما هو حاصل، مع استشعارنا بالنفسيات والأوضاع التي يعيشونها؛ إلا أنهم في الحقيقة أمل البلاد، وهم الروح الراسخ في جسد الوطن الحضاري اليمني العريق والكبير، وإن تناقص عدد مؤثريهم، وشحت الإمكانات، وسدت بوجه أنشطتهم الآفاق؛ فالله موجود، وكلما اشتد البلاء والتمحيص والامتحان؛ اقترب الفرج، وتحيّن انقشاع الظلمة، فبعد العسر يسر ويتلو الشدة رخاء وسؤدد.

ومعلوم أيضًا بأن الكوادر الوطنية ذات الكفاءة والجدارة بعضها تغادر الدنيا لأسباب عديدة، أبرزها: الضيم والقهر على حال الشعب والوطن؛ وسوء الأحوال والمعايش بعد أن كبلتها وكممتها المليشيات وأقصتها من وظائف ومراكز وإدارات الخدمة الوطنية العامة، وأحرمتها من أدنى الحقوق وأحقها “المرتبات” ممن سلموا من التصفية أو التشريد أو تلفيق التهم وإلقاءهم خلف القضبان.

الحياة لا تعود مرتين، والأقوياء الثابتين على الحق والصواب والمبادئ والقيم خير وأحب إلى الله من الضعفاء والمتخاذلين والمنقسمين على أنفسهم والمتراخين والصامتين والمنبطحين لمليشيات الداخل وأباطرة الخارج.. يجب أن تتخذ خطوات جادة وفاعلة وضاغطة بمختلف الوسائل والسبل لتحريك المياه الراكدة؛ وتصحيح الأخطاء، وتقويم الذات ثم تقويم الغير باللسان وبالقلم؛ وبالسلاح إن اقتضت الضرورة المجتمعية والنظام الجمعي لدفع الشر والبلاء عن كاهل الشعب، والتحرر من “الظلم والظلمات والاستبداد والاستغلال والعته العنصري والوهم السلالي”.

رصد وتوثيق الجرائم والاعتداءات والمظالم وتوصيل الممكن منها لوسائل الإعلام الموثوقة خطوة في طريق التحرر، وتفعيل نظام الحسبة والمحاسبة في الأرياف والمدن ضد المراهقين والأدعياء الذين يمارسون المنكرات بـ”حماقة ووقاحة وقلة حياء” أمر لازم وضروري، فالصمت يطيل من عمر الباطل، ويشجع على المزيد من المظالم، ويرسخ بقاء الظالمين والظلاميين.

رمضان يجب ألا يغادر إلا وقد صقل في الجميع روح الصواب والحق، وقوى روح الانتماء الوطني والصفاء الروحاني، فهو موسم الجهاد والكفاح والنضال على مر التأريخ، وبه تحققت الانتصارات تلو الانتصارات على قوى الشر والبغي والظلام، فلو قام كل منا بدوره النضالي، وبحث عن أترابه ونظرائه الأحرار، وتماسك معهم بعهد الله والوطن سيكون الخير عن قريب بإذن الله، وستعود اليمن أفضل بكثير مما كانت، وعلى درب الشهداء نسري؛ في مرضاة الله وتحقيق الحرية والأمن والتقدم والازدهار، وبالله التوفيق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى