افتتاحية العدد ٩٦ “صحيفة التصحيح” بقلم الأستاذ/ عمر الشلح، رئيس التحرير
الوضع الاقتصادي وصل إلى أقصى درجات التدني والانهيار لأسباب وعوامل ومؤثرات لا حصر لها؛ مجملها استيلاء مليشيات مسلحة على الدولة ومصادرة مؤسساتها بما فيها الإيرادية، والعبث بالاحتياطي العام والمعاملات المصرفية؛ نتج عن ذلك انقسام نقدي ومصرفي بمجرد قرار نقل البنك المركزي إلى عدن في ٢٠١٦م وعدم اعتراف المليشيات الحوثية بالعملات الجديدة مما خلق نظامين ماليين منفصلين وسياسيات نقدية متباينة تفاقمت بسببها الأزمة وزاد من صعوبة التحويلات المالية.. دفع ذلك حكومة الشرعية لطباعة عملة جديدة بكميات كبيرة دون غطاء رسمي كافي مما أدى إلى التضخم وخفض القيمة الشرائية.. علاوة على أن نشاط محلات الصرافة غير المنتظم والمضاربات غير المشروعة بالعملة زاد من تدهور الريال وصنع فجوة كبيرة بين قيمتيه في صنعاء وعدن.
زاد الأمر سوءً شح مصادر النقد الأجنبي للدولة واستنزافها في نفقات غير ضرورية أو عبثية ناهيكم عن الفساد الكبير وظهور عصابات مافوية سخّرت مقدرات الدولة لصالحها وأحزابها وأسيادها واستثماراتها خارج الحدود، مما أضعف قدرة البنك المركزي على دعم العملة وتمويل السلع الأساسية.. يضاف إلى ذلك الحرب وتداعياتها الاقتصادية والسياسية المتمثلة بتدمير البنية التحتية والأنشطة الاقتصادية الطبيعية، وما قامت به المليشيات الحوثية من استجلاب “القصف الأمريكي الإسرائيلي البريطاني على المنشآت الحيوية، والحصار الناتج عن حماقتهم في التعدي على الأمن الملاحي” وقصفهم المباشر للمنشآت النفطية في أكثر من محافظة وقطع الطرقات، واستمرار الجبايات غير المشروعة، وتعطيل المشاريع الخاصة ومضايقة التجار والمزارعين، وحرمان البلاد من الاستثمار ودفع رأس المال المحلي للمغادرة بحثا عن البيئة الآمنة والمواتية… ولا يسعنا الحديث هنا وحصر كل العوامل والأسباب، ومع ذلك لكل داء دواء، ولكل مشكلة حل.
لإنقاذ العملة الوطنية يجب اتخاذ خطوات عاجلة تتمثل بتطبيق القانون على نشاط الصرافة والحد من المضاربات غير المشروعة، والتوقف عن طباعة عملات جديدة إلا بتوفر غطاء رسمي ورصيد كاف في البنك المركزي، واستخدام الدبلوماسية السياسية الدولية والإنسانية لتوفير التأمين اللازم على طباعة العملة الضامنة لإعادة القيمة الفعلية للريال.. وإلزام الأشقاء في دول التحالف -لأنهم أحد الأسباب- برفد البنك المركزي بوديعة مالية كافية للتمكن من استلام الاعتمادات المستندية وتمويل استيراد السلع الأساسية، وتفعيل المشاريع المحلية ذات الصلة.. وإجبار المنظمات الدولية العاملة في اليمن أن تورد التبرعات للمشاريع الإنسانية إلى البنك المركزي بالعملة الصعبة واستلام نفقاتها التشغيلية ومخصصات المشاريع بالريال اليمني، ضمانا للشفافية وإسنادًا لخزينة البنك.
كما أن تشجيع البنوك لنقل مقارها إلى عدن خطوة ذات بعدين سياسي واقتصادي، من خلال تقديم الحوافز والتسهيلات والسياسات النقدية التي تلبي الحركة المستمرة للبنوك على ضوء القانون العام بعيدا عن الضغوط والجبايات والابتزاز والتدخل والإشراف المصلحي المليشاوي.. بجانب قيام كل مؤسسات الدولة بدورها القانوني المنوط بها، وتفعيل عملها وسيطرتها التامة على الموارد وتحصيل الإيرادات الضريبية والجمركية من الموانئ والمنافذ وإعادة الثقة بالمؤسسات المالية؛ مع تعزيز الإنتاج المحلي ودعم القطاعات الزراعية والصناعية والسمكية، وخلق فرص عمل، وتقليل الاعتماد على الاستيراد؛ بالتزامن مع إصلاحات مالية ونقدية واقعية، ووضع حد قطعي للفساد، وتوقيف استنزاف الأموال العامة، وتفعيل جهاز الرقابة والمحاسبة، وإعادة توجيه الإيرادات نحو التنمية؛ مع خلق نماذج لبيئات آمنة وجاذبة كعواصم المحافظات المحررة بهدف استقطاب الاستثمارات المحلية والدولية، وإعادة تأهيل البنية التحتية المتضررة من الحرب، وبناء بنية حديثة تدعم النمو الاقتصادي.. ولا ننسى إشراك خبراء ووضع خطط تنموية متكاملة مع تطبيق آليات رقابية صارمة ونؤكد على جدية مكافحة الفساد.
هذه بعض الحلول الفاعلة والممكنة المقدور عليها والميسورة، لو وجدت الإرادة الحقيقية سيتم إنقاذ الريال الذي به ينقذ الشعب من المجاعة والفقر، وتحقق من خلال الدولة سيادتها وتنال رضا الشعب.. وإن كان الطريق إلى استعادة الدولة، وبناء اقتصاد قوي، وتحقيق سلام مستدام في اليمن هو طريق طويل وشاق، فإن الأمر يتطلب تضافر الجهود، وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الضيقة، وخلق إرادة سياسية حقيقية للقيام بالإصلاحات اللازمة.